صلاة جمعة وإنما صلاها ظهرًا، فليس على المسافر صلاة جمعة.
وإذا كانت هذه الحقيقة معروفة لديكم، إليكم معرفة أخرى وهي: أن صلاة الجمعة آكد من صلاة الجماعة، فإذا سقطت فرضيتها على المسافر فبالأولى أن تسقط فرضية صلاة الجماعة عن المسافر، ولكن ذلك لا يعني أن صلاة الجماعة لا تجب على المسافرين إذا كانوا جماعة - وهذا ما فعلناه آنفًا - لقوله عليه الصلاة والسلام لمالك ابن الحويرث:«إذا سافرتما فأذنا وليؤمكما أكبركما سنًا» فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذين الصحابيين إذا سافرا أن يؤذنا وأن يقيما جماعة، ويكون الإمام فيها أكبرهما سنًا، والظاهر أن هذا الحديث أنهما كانا في نسبة واحدة في معرفة الحفظ للقرآن، وإلا
لعلكم تذكرون معي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم للسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنًا» لذلك قال عليه السلام: «وليؤمكما أكبركما».
فإذًا: نستطيع أن نقول: صلاة الجماعة على المسافرين تجب ولا تجب، تجب عليهم بعضهم مع بعض، ولا يجب عليهم الحضور إلى المسجد؛ لأن الله أسقط عنهم فرضية الجمعة فبالأولى أن تسقط عنهم فرضية الجماعة، هذا فيما يتعلق بالمسافر.
أما المقيم فلا شك أنه يجب عليهم كلما سمعوا أذان المؤذن في المسجد أن يجيبوه وأن يسارعوا إلى المسجد ليحضروا جماعة المسلمين لقول رب العالمين:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة: ٤٣] إلا أن هناك أثرًا صحيحًا عن إمام السنة الإمام أحمد رحمه الله أنه كان في مجلس علم فيه من كبار أصحابه وأقرانهم في الحديث كيحيى بن معين وغيره، فلما أذن لصلاة الظهر أشار بعض الحاضرين إلى أن يقوموا من مجلس العلم ذاك إلى الصلاة فطمئنهم أحمد رحمه الله بأننا نحن في مجلس علم فسنصلي هنا جماعة أي: إنما صدر استغرابه وأصحابه بالعلم وهو يوافق الكتاب والسنة كما هو معلوم عن أولئك الأئمة ... فواجب دراسة الكتاب والسنة اعتبر ذلك عذرًا لعدم الذهاب إلى المسجد وإقامة الصلاة في ذلك المكان الذي كانوا يتدارسون فيه العلم، وقد حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة.