كنت أقول في نفسي هكذا، ولكن ليس عندي شيء يقنعني بهذا، فكنت أمشي مع الأصل وهو إجابة المؤذن، إلى أن قرأت في كتاب «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم رواية أن الإمام أحمد كان في مجلس علم، فيه كبار علماء الحديث، مثل يحيى بن معين، ومثل علي بن المديني، فأُذِّن لصلاة الظهر، فقال أحدهم: -منبهاً مذكراً- بأنه قد أُذِّن لصلاة الظهر، كأنه يقول: حيَّ على الصلاة.
فقال الإمام أحمد: نحن الآن -لا أدري إذا كان قال لفظة صلاة باللفظ، أو بما يؤدي هذا المعنى- واعتبر مجلس العلم عذراً لترك صلاة الجماعة في المسجد، فهو يجمع بين صلاة الجماعة في المكان الذي هو فيه وبين مجلس العلم.
من -يومئذ- الذي كان يجري في نفسي من تساؤل، راح وطاح، وأصبحت أُصَلّي هناك في مقر الدرس مع جماعة المسلمين، وفي كثير من الأحيان تكون تلك الجماعة أكثر بكثير من جماعة المسجد القريب منا.
الشاهد:«فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه»، هذا الإمام يقابل المصالح والمفاسد، وهذه مسألة لا يستطيعها كل الناس، هذه أمور مثل المسائل الطِبِّية الدقيقة، الأطباء كلهم لا يشتركون في معرفتها، وإنما هم النوابغ المتخصصين في ذاك العلم، هم بالكاد أن يدركوها، ولذلك فنحن ننصح إخواننا جميعاً، أنه لا يتصوروا كما أقول أنا في كثير من المناسبات، لا يتصوروا أن كل مسألة عليها نص مُفَصّل عليها تفصيل، وعلى كيف كل واحد يخطر في باله هذه المسألة فيها نص، لا ليس فيها نص، إذاً: من أين أتيتم بها؟ وين بنروح من:«إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه» هذا ليس حديث، هذا كلام عليّ، وهنا وين بنروح من: قوله عليه السلام: «من يُرِد الله به خيراً، يفقهه في الدين».