أضرب الآن -مثالاً- معاكسًا، البارحة سمعنا قراءة -ما شاء الله- في الإذاعة السعودية من المسجد النبوي -فيما أخبرني أحد أولادي- وقراءة نادراً ما أسمع من القراء المعروفين في الإذاعات -مثلها- تأثيراً في القلوب، الركعة الواحدة استمرت القراءة منها عشر دقائق، لاشك أن مثل هذه القراءة تتفضّل وتتميز -بدون أي شك أو تردد- هذه الجماعة، جماعة الدار التي فيها النسبة الممَّيزة من القراءة على جماعة المسجد، واضح المقصود من الكلام؟
إذاً: لابد من دراسة النسبة، نسبة المفاضلة بين هذه الجماعة وتلك، لماذا؟ لأنه يجب .. هذه الأمور دائما الأمور الاجتماعية مزالق أقدام في الحقيقة، لماذا؟ لأنه يريد الفقيه يجتهد في مورد النص، يعني يريد يُوقف العمل بالنص لأمر عارض، هذا يحتاج إلى نظر دقيق ودقيق جداً، حتى يُبَرّر له إيقاف النص لهذا الأمر العارض، نحن عندنا شيئان في موضوع المحافظة على جماعة الفريضة وعلى جماعة النافلة نافلة القيام.
المحافظة على جماعة الفريضة أمر لا يحتاج إلى مناقشة، لأنه قد استقر في الأذهان أذهان المسلمين المثقفين الثقافة الشرعية الصحيحة من قديم الزمان أنها واجبة، فإذاً: لا يجوز ترك واجب لأمر مستحب، ما هو الأمر المستحب، أنه مع القراءة وإلى آخره.
لذلك قلنا ابتداءً يُشْتَرط المحافظة على أداء جماعة الفريضة في المسجد، تأتينا جماعة النافلة، يوجد عندنا هنا شيئان: الشيء الأول: ما جرى عليه عمل المسلمين قديماً، ألا وهو حرصهم على أداء هذه النافلة، نافلة القيام مع جماعة المسلمين في بيوت الله عز وجل، علماً كما نعلم أيضاً جميعاً أن الأصل في النوافل أن تُصَلَّى في البيوت، فخرجت هذه النافلة عن هذه القاعدة، مما يُلفت النظر أن لها خصوصية، هذه الخصوصية هي التي حملت المسلمين على حرصهم أن يُصَلّوها جماعة في المساجد، هذا من الناحية العملية، ثم يؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي داود في «السنن» بسند صحيح بمعنى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى صلاة العشاء في رمضان مع الإمام، ثم قام مع الإمام حتى ينصرف