لا يوجد شيء من هذا في الأصول إطلاقاً، بل الموجود نقيض ذلك تماماً، كما أذكر جَيِّدا في «شرح النخبة للحافظ ابن حجر العسقلاني»، حينما يتكلم عن التوفيق بين الأحاديث فيقول: إذا كان الحديث من قسم المقبول فعارضه حديث مثله، حينئذٍ وَجَب التوفيق بين الحديثين، بوجه من وجوه التوفيق، هكذا هو يقول بإيجاز لأن رسالته مختصرة كما هو معلوم، أنا ما أنهيت كلامي، لك ملاحظة فيما مضى؟ لا ما انتهينا.
قلت آخر ما قلت: بأن الحافظ ابن حجر العسقلاني هكذا يقول باختصار، يُوَفَّق بين الحديث إذا كان من قسم المقبول يدخل في قسم المقبول الحسن فصاعداً، حتى المتواتر يُوَفَّق بوجه من وجوه التوفيق، ما هي وجوه التوفيق؟ أكثر من مائة وجه، فإذا عجز الفقيه العالم عن التوفيق بين حديثين متعارضين، وكل منهما من قسم المقبول، حينئذٍ صار إلى تَطَلُّب النسخ، معرفة الناسخ من المنسوخ، فإن لم يتمكن من ذلك صار إلى الترجيح.
هنا الآن يُفِيد هذا حديث حسن وذاك حديث صحيح، أو هذا حديث صحيح وذاك حديث مستفيض أو مشهور، أو هذا حديث صحيح مستفيض أو مشهور وذاك حديث متواتر، هنا يُصَار إلى الترجيح، فيقال: الحديث المتواتر أقوى من الحديث الصحيح المستفيض أو المشهور أو الحديث المستفيض المشهور، أو المشهور أقوى وأصح من الحديث الصحيح الفرد، أو الحديث الصحيح الفرد أقوى من الحديث الحسن لذاته والحديث الحسن لذاته أقوى من الحديث الحسن لغيره، متى يصار إلى هذا؟ حينما سُدَّت أمامنا طرق التوفيق، وهي أكثر من مائة طريق، ثم سُدَّ أمامنا طريق معرفة الناسخ من المنسوخ، حينئذٍ يُصَار إلى رَدّ أحد الحديثين بالآخر بقاعدة الأصح الأصح.
فنحن الآن نقول: حديث «من مس ذكره فليتوضأ»، حديث متواتر وليس فقط رواه سبعة رواه عشرة وعشرين فرضا وهو كذلك، طيب، عارضه حديث طلق ابن علي، ماذا نفعل؟ نَرُدَّه بدعوى النسخ، أم نحاول التوفيق؟ نحاول التوفيق،