على أنه بيان وصف في «الفَاتِحَة»، فجعلوه حكماً الآن، وليس كما ينبغي! وهو كقولنا لابن سَبْعٍ: صلِّ؛ فإنه لا دين لمن لا صلاة له. فالصلاة ليست بواجبة على ابن سبع بالإجماع؛ ولكن علله بقوله: فإنه لا دين لمن لا صلاة له. يعني: لما كان شأن الصلاة هكذا - بأنه لا دين لمن لا صلاة له -؛ صح أن يقال لابن سبع: صل. من غير وجوب ولا افتراض.
فكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تفعلوا إلا بـ: أم القرآن»؛ حكم بالإباحة، ثم علل لاستثناء «الفَاتِحَة» بقوله: «فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها»، يعني: لما كان شأن «الفَاتِحَة» هكذا - وهو أنه لا صلاة إلا بها -؛ صح استثناؤها من النهي، ولعل ضمير الشأن في قوله:«فإنه لا صلاة ... ». إلخ. أليق بهذا اهـ. كلام هذا المحقق.
وهو غاية في التحقيق، لا يدع مجالاً لأحد بعد هذا البيان أن يحتج به على الوجوب.
ولذلك؛ فقد تنبه لهذا المعنى الصحيح المحقِّقُ السندي، فقال: ظاهر هذه الرواية إباحة القراءة بـ: {الفَاتِحَة}، ولو جهر الإمام. فلعل من يمنع عنها يقول: إن النهي مقدم على الإباحة عند التعارض. ولا يخفى أن المعارضة حال السر مفقودة؛ فالمنع حينئذٍ غير ظاهر؛ ولهذا مال محمد وبعض المشايخ وغيرهم إلى قراءة «الفَاتِحَة» حال السر، ورجحه علي القاري في «شرح موطأ محمد»، ورأى أنه الأحوط. اهـ.
وإذ ثبت أن الحديث لا يدل على الوجوب - بل على الإباحة؛ بل الإباحة المرجوحة -؛ دل هو بعد ذلك على أن حديث عبادة - وهو حجتهم الثانية والأخيرة على الوجوب - لا يشمل المقتدي؛ بل هو خاص بغيره - الإمام والمنفرد -؛ لأنه قد استثنى المؤتم من إيجاب «الفَاتِحَة» عليه؛ مع الرخصة له بقراءتها، وإنما يبقى النظر في هذه الرخصة؛ هل ظلت باقية أم ارتفعت؟ والظاهر لنا أنها ارتفعت؛ بدليل الحديث الذي بعد هذا في الكتاب، ونحن وإن كنا نعترف أنه لا نص لدينا يدل على أنه متأخر الورود عن هذا الحديث الذي نحن بصدد التعليق عليه؛ فإن النظر الصحيح، والرأي الرجيح يقتضي ذلك؛ لأنه ليس من المعقول أن يكون عليه الصلاة والسلام نهى الصحابة عن القراءة وراءه في ابتداء الأمر، ثم يخالفونه؛