وهذا الحديث كالآية المذكورة سابقاً في الدلالة على وجوب الاستماع لقراءة القرآن من الإمام، ولكنه أعم منها - كما لا يخفى -، وهو - كهي - يشمل بعمومه «الفَاتِحَة» وغيرها، وقد خصه الشافعية وغيرهم ممن سبق ذكرهم بما عدا «الفَاتِحَة». وقالوا بوجوب قراءتها، وقد ذكرنا فيما سبق أن الحديث الذي احتجوا به على الوجوب لا يدل على ذلك؛ بل على الإباحةِ، والإباحةِ المرجوحة - كما سلف بيانه عن الكشميري -.
وحينئذٍ فإذا كان لا بد من المصير إلى التخصيص؛ فإنما يخصص بجواز قراءة «الفَاتِحَة» جوازاً مرجوحاً؛ لا بوجوبها، وحينئذٍ فالتباين بين هذا الجواز وبين النهي المستفاد من الآية والحديث يسيرٌ؛ لأن النتيجة ترك القراءة والاستماع للإمام، وهذا هو المطلوب.
هذا يقال؛ إن أردنا أن نذهب مذهب الجمع، ولكننا قد بينا أن حديث الجواز منسوخ بحديث أبي هريرة وبسبب نزول الآية، وبين أيضاً شيخ الإسلام أن الاعتبار يدل على بقاء الآية على عمومها؛ فيقال عن الحديث - الذي نحن في صدد الكلام عنه - ما قيل فيها.
وإليك الآن بقية كلام شيخ الإسلام المتعلق بالحديث؛ قال:«وهذا يبين حكمة سقوط القراءة عن المأموم، وأن متابعته لإمامه مقدمة على غيرها حتى في الأفعال، فإذا أدركه ساجداً؛ سجد معه، وإذا أدركه في وتر من صلاته؛ تشهد عقب الوتر، وهذا لو فعله منفرداً؛ لم يجز، وإنما فعله لأجل الائتمام؛ فدل على أن الائتمام يجب به ما لا يجب على المنفرد، [ويسقط به ما يجب على المنفرد]».
وقال في موضع آخر «٢/ ٤١٢»: فكيف لا يستمع لقراءته، مع أنه بالاستماع يحصل له مصلحة القراءة؟ ! فإن المستمع له مثل أجر القارئ.
ومما يبين هذا اتفاقُهُم كلهم على أنه لا يقرأ معه فيما زاد على «الفَاتِحَة»؛ إذا جهر، فلولا أنه يحصل له أجر القراءة بإنصاته له؛ لكانت قراءته لنفسه أفضل من استماعه