للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصلي هذا المنفرد وحده، في حديث رواه أبو يعلى في مسنده، يقول: فليجتر رجلًا بين يديه ليصلي معه، فمع كون الحديث هذا إسناده ضعيف لا يحتج به، ففيه إفساد أيضًا للصف الذي بين يديه؛ لأنه سيوجد فيه خللًا، وهذا الخلل قد يستطيع من كان عنده شيء من اليقظة والفقه أن يسده، لكن في النهاية لو تتابعوا كلهم سيظل الخلل موجودًا في الصف، فمع عدم صحة الحديث، ومع أنه يوجد خللًا ففي هذه الحالة أنا اعتقادي أن هذا المنفرد إذا لم يستطع أن يجد لنفسه فرجة ينضم إليها فهو يصلي وحده وصلاته صحيحة.

وفي اعتقادي بالنسبة للصفوف المعروفة اليوم أن الإنسان يستطيع أن يوجد ليس لفرد واحد، بل لأفراد كثيرين؛ لأن الناس لا يتراصون الرص الذي كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعلونه حينما كان عليه الصلاة والسلام يأمرهم بتسوية الصف كما قال أنس بن مالك في صحيح البخاري: فكان أحدنا يلصق كتفه بكتف صاحبه وساقه بساق صاحبه وقدمه بقدم صاحبه، أو كعبه بكعب صاحبه، هذا الوصف اليوم لا وجود له، ولذلك فمن السهل جدًا أن الإنسان [يدخل بين] شخصين بكل يسر ولطف فلا يصلي وحده، أما إن تصورنا صفًا على السنة كالبنيان المرصوص حينئذ يصلي وحده وصلاته صحيحة.

كيف تكون صلاته صحيحة وقد نفى الرسول عليه السلام صحة هذه الصلاة بالنسبة لمن صلى خلف الصف وحده؟ أقول هذا لأن بعض العلماء يقولون في رأي قولًا غريبًا: أنه لا يصلي يظل هكذا واقفًا، فأنا أعتقد أن هذا القول فيه وقوف ولا أقول جمود على النص؛ ذلك لأن كل الأحكام الشرعية منوطة بتحقق الاستطاعة، فالمبدأ العام قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] والحديث الذي يؤكد هذا المعنى: «ما أمرتكم من شيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» وقوله تعالى في القرآن الكريم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧] وقوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» واتفاق المسلمين: أن من صلى قاعدًا صلاة الفرض فصلاته

<<  <  ج: ص:  >  >>