ومسلم، قال عليه السلام:«إذا أمَّن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» قوله عليه السلام: «إذا أمّن الإمام فأمِّنوا» هو على وزان قوله في الحديث الآخر -المتفق عليه أيضاً-: «إذا كَبَّر الإمام فكبروا» فهل يُكَبِّر أحدُكم قبل تكبير الإمام؟ الجواب -والحمد لله-: لا، هل يؤمن أحدُكم قبل تأمين الإمام؟ الجواب -مع كل الأسف-: بلى، لماذا؟ لغفلة الناس، أنا أُذَكّر وأُعِيد التكرار لقوله تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: ٥٥] كُل مصل حينما يجمع عقله وفكره ولبه في الصلاة، فعليه أن يراقب قراءة الإمام، فإذا ما وصل الإمام إلى قوله:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة: ٧] فليحبس أحدُكم نَفَسه، حتى يسمع تأمين الإمام؛ لأن الإمام يجهر بآمين، وهذا من حكمة الشارع الحكيم، أن الإمام يرفع صوته بآمين، كما رفع صوته بقراءة الفاتحة، كلها من أولها إلى آخرها فكأن آمين من تمام الفاتحة وهي ليست من تمامها، ولكن لكي لا يقع المؤتمُّون المقتدون بالإمام في مخالفة هذا الحديث:«إذا أَمَّن الإمام فأمِّنوا» كانت حكمة التشريع تقتضي: أن يؤمر الإمام برفع الصوت بآمين، لماذا؟ لكي لا تسبقوه، أولاً، ثم لتتابعوه ثانياً، فإذا فعلتم ذلك حصلتم أمرين اثنين:
أولاً: طَبَّقتم أمر الرسول -عليه السلام- الذي لا يجوز لأحد أن يخالفه أبداً:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: ٦٥] وقال في الآية الأخرى، وهي تتعلق بصميم الأمر:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: ٦٣] إذاً: إذا أنتم حبستم أَنْفَاسكم حتى تسمعوا بدءَ الإمام بآمين، تكونون قد طَبَّقتم هذا الأمر، ولم تقعوا في شؤم المخالفة:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: ٦٣].
الأمر الثاني: أمر عظيم جداً: لو عاش أحدنا عمر نوح -عليه السلام- الذي لبث أكثر من ألف سنة، لبث في قومه فقط يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، لو عاش أحدنا فقط ليُحَصِّل الأجر المذكور لقاء تنفيذ هذا الأمر، لكان ثمناً بخساً