المسائل الفقهية يدخلها الاجتهاد، يدخلها القياس، فيمكن أن يقع المجتهد في خطأ فيؤجر عليه، أما القراءات فهي مستندة على النقل فقط.
إذا كان هذا معروفاً -فحينئذٍ- إذا كان هذا القارئ على قراءة حفص، ثبت لديه قراءة ورش في آية ما، فجمع في قراءة واحدة بين قراءة حفص في آية وقراءة ورش في آية أخرى، هذا كالذي جمع بين التمذهب بالمذهب الحنفي والتمذهب في مسألة واحدة أو أخرى في المذهب الشافعي؛ لأن ذلك ثبت لديه، فقولهم أن هذا بدعة هو في الواقع -حسب وجهة نظري- غفلة عن أن منبع أئمة القراء هو كمنبع أئمة المذاهب الأربعة، هو الرسول عليه السلام، مع الفارق الكبير الذي ذكرته آنفاً أن الأئمة في الفقة يمكن أن يقولوا قولاً بالاجتهاد والرأي، أما في القراءة ما فيه إلا التلقي والنقل، فيكون هنا الأمر أن الرسول قرأ بقراءة حفص أكيد، وقرأ بقراءة ورش أكيد، فما المانع أن يقرأ الإنسان بهذه وبهذه، وليس عند القراء -أبداً- دليل، وهذا مستحيل أن يكون أن الرسول قرأ بقراءة حفص أحياناً، وتارة أخرى قرأ بقراءة ورش، وإلى آخر ما هنالك من القراءات المعروفة، لا يوجد شيء من هذا، لكن كل واحد أخذ بما ثبت لديه، أي: أن الرسول كان يقرأ بهذا، وكان يقرأ بهذا، وكان يقرأ بهذا.
من أشهر الأشياء التي ممكن يفهمها الناس كلهم: الفاتحة، فيها قراءتان متواترتان فيما يتعلق ب {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} و {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فالرسول عليه السلام كان يقرأ مرة مالك ومرة ملك، لكن ما كان يلتزم أنه إذا قرأ مالك فهو يقرأ ما بعده على مذهب حفص؛ لأنه حينئذٍ نقول -كما يتوهم بعض الجهلة- أن الرسول كان حنفياً أو كان شافعياً، هذا ما يقوله إنسان؛ لأن المذاهب متأخرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهم يتلقون منه ليس العكس تماماً، لذلك: المهم إذا ثبت قراءة من القراءات، فيجوز للقارئ أن يقرأ بهذه وأن يقرأ بهذه، ولا مانع من ذلك، والذي يقول هذا بدعة، حسبنا أن نقول له: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولا يستطيع إلى ذلك سبيلاً.