فلاحظ عليه الصلاة السلام أن الناس خلفه يصلون قياماً؛ لأن هذا هو المفروض أولاً، والمعهود أنهم يصلون خلفه عليه السلام دائماً قياماً، فأشار إليهم وهو في الصلاة أن اجلسوا، فجلسوا، ولما صلى قال عليه السلام:«إن كدتم آنفاً أن تفعلوا شأن فارس بعظمائها، يقومون على رأس ملوكهم؛ إنما جُعَل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا» إلى آخر الحديث.
فنحن نلاحظ هنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمر أصحابه الأقوياء الأصحاء أن يجلسوا؛ لأنه جالس، هو لا يستطيع أن يقوم فهو معذور، لكن المقتدين يستطيعون أن يقوموا؛ لكن اعتبرهم الشارع الحكيم معذورين في أن لا يصلوا قياماً، اتباعاً للإمام الذي يصلي جالساً معذوراً.
ولهذا نقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما ذكر قوله:«إذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا»، لم يكن هذا على سبيل التحديد للإئتمام به، وإنما كان هذا على سبيل التمثيل، وفَرْقٌ بين أن يكون ذلك تحديداً وبين أن يكون تمثيلاً، يعني: كأمثلة ذكرها الرسول عليه السلام لتأكيد مبدأ «إنما جُعِل الإمام ليؤتم به».
ونحن نعلم مثلاً أن الإمام إذا نَسِي التشهد الأول فقام، فعلى المقتدين على بعضهم أن يُنَبِّهه، أن يفتح عليه بكلمة سبحان الله! فإن تذكر رجع -وهذا له تفصيل لعلي أذكره قريباً- وإن لم يتذكر مضى استمر قائماً، فقد ترك هنا التشهد، جلوس التشهد وقراءة التشهد خطأً، نحن نتابعه في هذا الخطأ؛ لأنه معذور.
وهكذا طرِّد كل المسائل الخلافية التي وقعت بين الأئمة، فإذا كان الإمام يصلي صلاة يخالف فيها السنة وهو يعتقد أنه على السنة فنحن لا نخالفه.
أما كما قلنا آنفاً إذا ترك السنة هملاً فلا يرد الاقتداء به؛ لأنه لا متبع للسنة ولا متبع للإمام، هنا نخالفه؛ لأنه خالف السنة وخالف إمامه، فهو متهاون متكاسل ليس معذوراً.