قلت: الجملة الأولى من هذا الأثر اختصرها ابن القيم رحمه الله اختصاراً مخلا بالمعنى وانطلى أمره على المؤلف ولا غرابة في ذلك فإن من عادته عدم الرجوع إلى الأصول وإنما الغريب أن يخفى ذلك على من علق على «زاد المعاد» وزعم أنه «حقق نصوصه وخرج أحاديثه ... »! فإنه قال في تخريج هذا الحديث ١/ ٤٤٠: «رواه أبو داود ١١٣٠ في الصلاة: باب الصلاة بعد الجمعة».
فإن لفظه في المكان الذي أشار إليه:«عن عطاء عن ابن عمر قال: كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له؟ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك».
وهكذا رواه البيهقي ٣/ ٢٤٠ - ٢٤١ وهو مخرج في «صحيح أبي داود» ١٠٣٥.
فأنت ترى أن رواية أبي داود تختلف عما عزاه إليه ابن القيم من وجهين:
الأول: أن فيها أنه كان يصلي ست ركعات وهو يقول: أربعا!
الثاني: فيها أن ذلك كان في مكة وهو يعني المسجد الحرام وابن القيم قال: «المسجد» أي المسجد النبوي بدليل ما بعده «وإذا صلى في بيته» يعني في المدينة لأن ابن عمر مدني كما هو معلوم.
فإذا عرفت هذا فراويه أبي داود هذه لا تدل على التفصيل الذي ادعاه ابن تيمية وزعم ابن القيم أن الحديث يدل عليه وذلك لأمور:
الأول: أن الدعوى أنه يصلى ستا.
الثاني: أنه خاص بالمسجد الحرام والدعوى عامة.
الثالث: أنه موقوف فليس بحجة ومن المحتمل أنه فعل ذلك لأمر يتعلق به أو لغير ذلك من الأسباب التي ذكرها الشوكاني في «نيل الأوطار» ٣/ ٢٣٩.