للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء منها دليل يستدل به قط إلا قول من قال: إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعة، كيف والشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه، فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلا فضلا عن أن يكون دليلا على الشرطية مجازفة بالغة وجرأة على التقول على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى شريعته. لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين وتصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به وهو على شفا جرف هار، ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الأقطار ولا بعصر من العصور بل تبع فيه الآخر الأول كأنه أخذه عن أم الكتاب وهو حديث خرافة. فيا ليت شعري ما بال هذه العبادة من بين العبادات تثبت لها شروط وفروض وأركان بأمور لا يستحل العالم المحقق بكيفية الاستدلال أن يجعل أكثرها سننا ومندوبات فضلا عن فرائض وواجبات فضلا عن شرائط؟ ! والحق أن هذه الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه وشعار من شعائر الإسلام وصلاة من الصلوات فمن زعم أنه يعتبر فيها ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات لم يسمع منه ذلك إلا بدليل. فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان قام أحدهما يخطب واستمع له الآخر ثم قاما فصليا [فقد صليا] (١) صلاة الجمعة. والحاصل أن جميع الأمكنة صالحة لتأدية هذه الفريضة (٢)

إذا سكن فيها رجلان مسلمان كسائر الجماعات بل لو قال قائل: إن الأدلة الدالة على صحة صلاة المنفرد شاملة لصلاة الجمعة - لم يكن بعيدا عن الصواب (٣).

[الأجوبة النافعة ص ٤٤]. (٣)


(١) زيادة على الأصل يقتضيها السياق. [منه].
(٢) قلت: ومن هذه الأمكنة القرى والبوادي والتلاع والمصايف ومواطن النزهة.
وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة فكتب: جمعوا حيثما كنتم.
وسنده صحيح وعن مالك قال:

كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمعون. [منه].
(٣) قلت في هذا نظر ظاهر يتبين لمن تنبه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في جماعة" في حديث طارق بن شهاب الذي تقدم في المسألة الأولى وقد تنبه له المؤلف رحمه تعالى في كتابه الآخر الروضة فقال ١٣٤ بعد أن ذكر نحو كلامه المذكور في الأعلى قال معقبا عليه:
"ولولا حديث طارق بن شهاب المذكور قريبا من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامتها - صلى الله عليه وسلم - في زمنه في غير جماعة لكان فعلها فرادى مجزئا كغيرها من الصلوات". [منه].
فهذا نص منه أنها لا تجزئ فرادى الحديث طارق وما ذكر معه وهو الصواب الذي نقطع به.
ولعل سبب عدم تنبه المؤلف هنا لما ذكرنا إنما هو سقوط كلمة "في جماعة" من الحديث من قلمه كما سبق أن نبهنا عليه هناك فلم يكن في الكتاب ما ينبهه ولا في الحافظة ما يذكره والله أعلم.
ثم رأيت الصنعاني رحمه الله قد ذكر في سبيل السلام ٢/ ٧٤:
"إن صلاة الجمعة لا تصح إلا جماعة إجماعا". [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>