للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت مِرَاراً: إنما يُشْرَع الدعاء لأمر عارض، كما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل من باب من أبواب المسجد، فقال: يا رسول الله: هلكت الأموال والعيال من قلة الأمطار، فادع الله لنا، فرفع عليه السلام يديه حتى بان إبطاه، وقال: «اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا» فما أتم عليه السلام دعاءه حتى جاشت السماء بالأمطار كأفواه القرب، قال أنس: «فمُطِرْنا سبتاً» أي: جمعة أي أسبوعاً كاملاً.

في الجمعة الثانية والرسول يخطب، جاء الرجل هو أو غيره يقول: يا رسول الله! هلكت الأموال من كثرة الأمطار، فادع الله لنا، فقال عليه السلام: «اللهم حَوَالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظرَاب ومنابت الشجر» فانكشفت السماء فكانت كالجونة، يعني: ترس، تُمْطر حول المدينة لا يصيب المدينة شيء، فهذا لأمر عارض دعا الرسول عليه السلام، ثم دعا كلمات موجزات: «اللهم اسقنا اللهم اسقنا، اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب».

فيه شبهة هذا، فيه بعض العلماء، تسمعوا أنتم بصلاة الاستسقاء، صلاة الاستسقاء فيها خلاف بين العلماء في شرعيتها، فبعض الأئمة ينكر شرعيتها، ويقولوا: ما فيه في الاستسقاء إلا الدعاء، ويستدلوا بهذا الحديث، وفعلاً هذا الحديث استسقاء، يعني: طلب السُقْيِة.

أما العلماء الذين لا يتعصبون للرأي، وإنما يتتبعون ما جاء عن الرسول عليه السلام فيقولوا: الاستسقاء يكون بصلاة ويكون بدعاء بغير صلاة، لأن كل هذا ثبت عن الرسول عليه السلام.

الشاهد من حديث أنس السابق: أنه دليل على أنه يُشْرَع للخطيب يوم الجمعة أن يدعو لأمر عارض، أما أن يلتزم ذلك ويجعلها جزءاً من خطبة الجمعة، فهذا بلا شك من مُحْدَثات الأمور.

والمُؤْسف أن الدعاء للملوك ما هو بالأمر الجديد كما قد يتوهم بعض الناس، فهو قديم جداً من قرون؛ لأن الملوك هذه عادتهم كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>