مع فعله قدم قوله على فعله؛ لأن قوله عليه السلام شريعة عامة وفعله قد وقد، فعله قد يكون شريعة عامة وقد يكون خصوصية له، وقد يكون لعذر له، هنا قدقدة كثيرة وكثيرة جداً.
من أجل ذلك قالوا: إنه إذا تعارض القول والفعل قُدِّم القول على الفعل، ولهذا أمثلة كثيرة وكثيرة جداً يجمعها الخصائص النبوية، هناك كتاب للحافظ السيوطي في ثلاث مجلدات بعنوان «الخصائص النبوية» من أشهرها أن الرسول عليه السلام أباح له رَبُّنا عز وجل أن ينكح ما طاب له من النساء، أما أُمَّته فأباح لهم فقط أربعاً منهن، فقالوا بأن هذه خصوصية له عليه السلام.
وتأكد ذلك بقصة ذلك الرجل الذي جاء إليه وقد أسلم وتحته تسع نسوة، فقال له:«أمسك أربعاً منهن، وطلق سائرهن».
فليس لإنسان أن يقول: إيه الرسول تزوج ما شاء الله، مات وتحت عصمته تسع منهن، فإذاً: ليش ما نتزوج، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١].
الجواب: قوله مُقَدَّم على فعله، «أمسك أربعاً منهن، وطَلَّق سائرهن» فإذا تعارض القول مع الفعل قُدِّم القول على الفعل، متى يمكن أن نقول: نُوَفِّق بين القول والفعل، فنصرف القول الموجب لظاهر الشيء بفعله عليه السلام؟ نقول: هذا إذا كان عندنا دليل بأن فعله جاء مُتَأخِّراً عن قولِه، وأن قَوْلَه كان متقدماً على فعله، فيكون فعله حينذاك بياناً لأمره وأنه ليس للوجوب.
كذلك يُقَال في المناهي، فالأصل في كل المناهي أنها للتحريم، إلا إذا جاءت قرينة ولو فعله عليه السلام، ففعله يَصْرِف النهي عن التحريم إلى الكراهة.
لكن يُشْتَرط في النهي ما يشترط في الأمر من أن نعرف أن فعله متأخر عن الأمر
والنهي، حتى يكون صارفاً، ويحملنا على الجمع بين الأمر وفعله وبين النهي وفعله، واضح إلى هنا.