فأقول: إن الواجب على كل خطيب أن يتدرج ليجعل الخطبة الثانية كالخطبة الأولى تماماً، أي: لا يخلط فيها شيئاً من الدعاء، إلا في بعض الأحيان ولسياسة شرعية؛ حتى يتعلم الناس أن الخطبة الثانية هي تمام للخطبة الأولى التي قال رَبُّنا عز وجل في حقها:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩] فذكر الله هنا هي الخطبة، من أجل الموعظة والتذكير والنصيحة.
أما رفع اليدين سواءً من الخطيب أو من المخطوب عليهم، فهذا كله أيضاً كأصل الدعاء .. ليس له أصل مطلقاً .. هناك شيء واحد فقط يمكن أن نقول: تُشْرع رفع الأيدي والدعاء من الخطيب والتأمين ممن هم يسمعون خطبته لأمر عارض، إما عَرَض للأمة كلها فهم على علم بحاجة المسلمين إلى مثل هذا الدعاء، أو عرض الخطيب، فهو المفروض فيه أن يكون أعلم من سائر الناس؛ لأنه إمامهم، ولأنه قدوتهم كما قلت آنفاً.
حينئذٍ: ينبغي لهذا الإمام أن يكون دعاؤه يتناسب مع النازلة التي نزلت بالمسلمين والتي توجب عليه شرعاً أن يدعو.
وهذا أصله دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - للاستسقاء، فقد ثبت في صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه:«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما كان يخطب يوم جمعة إذا برجل يدخل من باب من أبواب المسجد، فقال: يا رسول الله - ورسول الله يخطب - هلكت الأموال والعيال من قلة الأمطار، فادع الله لنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه حتى بان إبْطَاه».
أي: بالغ في الرفع وقال: «اللهم اسقنا .. اللهم اسقنا، فما أتمَّ دعاءه إلا وجاشت السماء بالأمطار كأفواه القِرَب، قال أنس: فظَلَّت تُمْطر سبتاً، - أي: أسبوعاً كاملاً - إلى أن جاء الجمعة الثانية ورسول الله يخطب، وإذا بذاك الرجل أو غيره -يشك أنس- يقول: يا رسول الله! هلكت الأموال والعيال من كثرة الأمطار، فادع الله لنا، فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا .. اللهم على الآجام والآطام والضِرَاب ومنابت الشجر» قال: فانكشفت السماء - فلا تُمْطِر المدينة عليها