للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نص في جواز الجمع في الحضر، إلا من أجل المطر أو الخوف.

وهذا كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: «جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، بغير سفر ولا مطر، قالوا: ماذا أراد بذلك؟ قال: «أراد أن لا يحرج أمته».

هنا الحديث يفيدنا في جمعين: أحدهما: يتعلق بالجمع الجماعي، أي في المساجد، والآخر: يتعلق بالأفراد، ونادراً ما يتعلق بالجماعة.

أما الجمع الأول الذي يستفاد من الحديث جوازه فهو الجمع للمطر؛ لأنه قال: «جمع الرسول بغير مطر وغير السفر»، يشعرنا بأن هذين العذرين معروف لدى المسلمين عامة لأنهما يسوغان الجمع، لكن يريد أن يفيدنا شيئاً جديداً فيقول: جمع لغير هذين العذرين، سألوه ما هو؟ قال: «أراد أن لا يحرج أمته»، هذا النص «أراد أن لا يحرج أمته»، يمكن أن يدخل فيه أسباب أخرى غير منصوص عليها، ومنها ما كنا آنفاً في صدده وهو البرد، وكما قلت آنفاً، البرد قضية نسبية يختلف بين شخصين متساويين في العمر لكنهما ليسا متساويين في التربية وفي النشأة فأحدهما نشأ يتعاطى أعمالاً أو مهنة يتعرض بسببها للحر والقر للتعب والنصب والآخر إنما هو نُشِّئ في الحلية، رُبِّي تربية الولد المدلل الناعم، فلا يستويان مثلاً أبداً، وهما كما قلنا في سن واحد، مع ذلك الشعور بالبرد يختلف من هذا إلى ذاك، فإذا ما ضربنا مثالاً متبايناً كل التباين بين شاب وبين شيخ عجوز أيضاً سيختلف الشعور بالبرد الكثير أو الخفيف، فهنا تبقى القضية قضية نسبية فيما إذا أراد الإنسان أن يجمع لنفسه، فإذا كان متقياً لربه وكان متفقهاً في دينه ويعرف أنه يجد حرجاً في أن لا يجمع فله أن يجمع بهذه الشروط التي ذكرناها.

الدقة الآن في الإمام الذي يريد أن يَؤُمَّ الناس وفي الناس المتفاوتون في الإحساس بالبرد، فالإمام .. وهنا بيت القصيد من هذا الكلام هو الذي ينبغي أن يقدر ويضع، ولا أرى حرجاً أبداً إذا نظر إلى جماعته الذين يريدون أن يصلوا معه في مسجده، فوجد فيهم شيوخاً لا أرى حرجاً بالنسبة إليه أن يجمع من أجلهم لا من

<<  <  ج: ص:  >  >>