للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذا الحديث الذي قال عنه بعض علماء الإسلام أنه ثلث الإسلام: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».

والحقيقة أن هذه مسألة من المسائل الدقيقة جداً والتي اختلفت فيها أنظار العلماء، ولم يتفقوا على شيء واضح إطلاقاً، بحيث أنه يمكن لقائل أن يقول:

فهذا هو الحق ما به خفاء فدعني من بُنَيَّات الطريق

لكن كل ما يمكنه أن يقول: أنا أختار كذا.

فأنا اخترت ما فهمتُه من رسالة ابن تيمية رحمه الله، له رسالة خاصة في أحكام السفر، فإنه ضرب مثلاً رائعاً جداً، يفهم الباحث وطالب العلم من هذا المثال أن السفر ليس له علاقة بقطع مسافة طويلة دون مسافة قصيرة، أما أنه ليس له علاقة بقطع مسافة قصيرة، فأظن هذا ليس موضع نقاش؛ لأنه من الثابت عن الرسول عليه السلام أنه كان يخرج من المدينة إلى البقيع، فيسلم عليهم ثم يعود، كان يخرج إلى الشهداء إلى أُحُد، يسلم عليهم ثم يعود، لا يعتبر نفسه مسافراً مع أنه خرج عن البلد.

وعلى العكس من ذلك، أنه إذا قطع مسافةً طويلةً، فذلك لا يعني بمجرد قطع هذه المسافة أنه صار بها مسافراً، المَثَل الذي ضربه هو كالتالي: هو دمشقي مثلي، وحول دمشق قرى معروفة، فضرب مثلاً لبلدة تُعْرف إلى الآن بدومة، قال: فلو أن رجلاً خرج من دمشق يتطلب الصيد إلى دَوْمة، خمسةَ عَشَرَ كيلو، لا شك أن هذه مسافة في عرفنا نحن إذا وُجِدَ الشرط الأساسي وهو قصد السفر فهو سفر.

يقول: بأن هذا الرجل لا يُعْتَبر مسافراً؛ لأنه خرج ليصطاد ثم ليعود، لكن الذي وقع بأنه ما وَجَد الصيد الذي كان يبتغيه، فتابع المسيرة، وتابع .. وتابع، وأخذ ... لوصل حتى حلب، وبين حلب ودمشق نحو أربعمائة كيلو متر اليوم بالسيارة، يقول: هذا ليس مسافراً مع أنه قطع مسافات للمسافر ليس مسافة واحدة؛ لأن الشرط الأول وهو قصد السفر لم يكن من هذا الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>