الأثير في «شرح المسند»: أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة .. «وخالف ما تقدم من التحقيق حديثيا وفقهيا بعض ذوي الأهواء من المعاصرين، وهو الشيخ عبد الله الغماري المعروف بحبه للمخالفة وحب الظهور، وقديما قيل: حب الظهور يقصم الظهور والأمثلة على ذلك كثيرة كنت ذكرت بعضها في مقدمة المجلد الثالث من السلسلة الأخرى: «الضعيفة»، وفي تضاعيف أحاديثها. وأمامنا الآن هذا المثال الجديد: لقد زعم في رسالته «الصبح السافر»«ص ١٢» في عنوان له: «فرضت الصلاة أربعا لا اثنتين»، واستدل لذلك - مموها على القراء - بأمور ثلاثة: الأول: الآية السابقة {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ .. } وذكر أنها نزلت في صلاة الخوف في العهد المدني. الثاني: أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة».
رواه أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج عندي في «صحيح أبي داود»«٢٠٨٣» وغيره. الثالث: أنه ساق خمسة أحاديث صريحة في أن قصر الصلاة كان في مكة حين نزل جبريل عليه السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصلى به الصلوات الخمس. والجواب على الترتيب السابق:
١ - أما الآية فقد اعترف هو «ص ٢٠» أنها نزلت بعد الهجرة في السنة الرابعة أو الخامسة، وزاد ذلك بيانا فقال «ص ٢١»: «بل الذي وقع أنه كان بين زيادة صلاة الحضر وقصر صلاة السفر فترة زادت على ثلاث سنوات كما مر» قلت: فهو قد هدم بهذا القول الصريح ذلك العنوان، وما ساقه تحته من الأدلة، وهذا أولها، فإن معنى ذلك أن صلاة الحضر فرضت اثنتين اثنتين، ثم زيدت في المدينة، وهذا يوافق تماما حديث عائشة وبخاصة حديث الترجمة، وما استظهره الحافظ كما تقدم، ويخالف زعمه أنها فرضت أربعا أربعا في مكة!
٢ - الأحاديث التي ذكرها وأشرت إليها، ونقلت إلى القراء واحدا منها، لأن الجواب عنه جواب عنها، وهو في الحقيقة نفس الجواب عن الآية السابقة، لأن الوضع المذكور في الحديث يصح حمله في كل من الاحتمالين أي سواء كانت الزيادة مكية كما يزعم الغماري، أو مدنية كما يدل عليه ما تقدم من الأحاديث، فقوله «ص ١٢»: «فهذه ثلاثة أحاديث تصرح بأن صلاة المسافر مقصورة من أربع ركعات،