صح ثم الظاهر أن المراد منه ما يراد من الحديث وهو أن السنة الوضوء قبل الغسل لا بعده بدليل حديثها الآخر قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل ... الحديث. أخرجه الشيخان وغيرهما.
ولا شك أن من توضأ قبل الغسل ثم بعده فهو تعمق ومن اقتصر على الوضوء بعده فهو مخالف للسنة فليس إذن في حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتوضأ في الغسل مطلقا ولو كان كذلك لصح الاستدلال به وإذ لا فلا.
فالأولى الاستدلال بحديث جابر بن عبد الله: أن أهل الطائف قالوا: يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة فما يجزئنا من غسل الجنابة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا». رواه مسلم وغيره. وبه استدل البيهقي للمسألة فقال في «سننه ١/ ١٧٧»:
«باب: الدليل على دخول الوضوء في الغسل ... » وهذا ظاهر من الحديث فإذا ضم إليه حديث عائشة الذي أورده المؤلف - وهو صحيح كما بينته في «صحيح سنن أبي داود» برقم ٢٤٤ - ينتج منهما أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالغسل الذي لم يتوضأ فيه ولا بعده. والله أعلم.
قوله:«وقال أبو بكر بن العربي: لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث ... ».
قلت: بلى قد اختلف العلماء في ذلك وابن العربي إنما قال ما علم, {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فقد قال الحافظ في «الفتح ١٢/ ٢٨٧»:
«ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث». قال الشوكاني عقبه:
«وهو قول أكثر العلماء وإلى القول الأول - أعني: عدم وجوب الوضوء مع