لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي الذي هو إحداث شيء في الدين على غير مثال سابق لما علمت إنه رضي الله عنهـ لم يحدث شيئا بل أحيا أكثر من سنة نبوية كريمة، وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم يكن معروفا قبيل إيجاده، ومما لا شك فيه أن صلاة التراويح جماعة وراء إمام واحد لم يكن معهودا ولا معمولا زمن خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر - كما تقدم - فهي بهذا الاعتبار حاديثة ولكن بالنظر إلى أنها موافقة لما فعله - صلى الله عليه وسلم - فهي سنة وليست بدعة وما وصفها بالحسن إلا لذلك. وعلى هذا المعنى جرى العلماء المحققون في تفسير قول عمر هذا، فقال السبكي - عبد الوهاب - في «إشراق المصابيح في صلاة التراويح»«١/ ١٦٨» من «الفتاوى»: قال ابن عبد البر: لم يسن عمر من ذلك إلا ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحبه ويرضاه، ولم يمنع من المواظبة إلا خشية أن تفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم عمر ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته - صلى الله عليه وسلم - أقامها لناس وأحياها وأمر بها وذلك سنة أربعة عشرة من الهجرة وذلك شيء ذخره الله له وفضله به ولم يلهمه أبا بكر وإن كان أفضل وأشد سبقا إلى كل خير بالجملة، ولكل واحد منهما فضائل خص بها ليس لصاحبه.
قال السبكي: ولو لم تكن مطلوبة لكانت بدعة مذمومة كما في الرغائب «ليلة نصف شعبان وأول جمعة من رجب فكان يجب إنكارها وبطلانه «يعني بطلان إنكار جماعة التراويح» معلوم من الدين بالضرورة».
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في فتواه ما نصه: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وقتال الترك لما كان مفعولا بأمره - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بدعة وإن لم يفعل في عهده.
وقول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح:«نعمت البدعة هي» أراد البدعة اللغوية وهو ما فعل على غير مثال كما قال تعالى: {مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} وليست بدعة شرعية، فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال - صلى الله عليه وسلم -، ومن قسَّمَها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية، ومن قال كل بدعة ضلالة