فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره ... فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قُبل ما انفرد به». ولا شك أن هذه الرواية من النوع الأول لأن راويها مخالف لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط فهي مردودة، ومن الواضح أن سبب رد العلماء للشاذ إنما هو ظهور خطأها بسبب المخالفة المذكورة وما ثبت خطأه فلا يعقل أن يقوى به رواية أخرى في معناها فثبت أن الشاذ والمنكر مما لا يعتد به ولا يستشهد به بل إن وجوده وعدمه سواء.
ثم إن رواية يزيد بن رومان ويحيى بن سعيد الأنصاري المنقطعتين لا يجوز أن يقال: عن إحداها تقوي الأخرى لأن الشرط في ذلك أن يكون شيوخ كل من الذين أرسلاها غير شيوخ الآخر وهذ لم يثبت هنا لأن كلا من الراويين يزيد وابن سعيد مدني، فالذي يغلب على الظن في هذه الحالة أنهما اشتركا في الرواية عن بعض الشيوخ، وعليه فمن الجائز أن يكون شيخهما الذي تلقيا عنه هذه الرواية إنما هو شيخ واحد، وهذا قد يكون مجهولا أو ضعيفا لا يحتج به، ومن لجائز أنهما تلقياها عن شيخين متغايرين ولكنهما ضعيفان لا يعتبر بهما، وجائز أيضا أن يكون هذان الشيخان هما ابن خصيفة وابن أبي ذباب فإنهما مدنيان أيضا وقد أخطأ في هذه الرواية كما تقدم، وعليه تكون رواية يزيد وابن سعيد خطأ أيضا كل هذا جائز محتمل ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:«والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها وأصح الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود ومنها الموقوف ... وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا وإن جاء المرسل من وجهين كل من الراويين أخذ العلم من غير شيوخ الآخر فهذا مما يدل على صدقه، فإن مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه.» والغفلة عن هذا الشرط أوقع بعض كبار العلماء في تصحيح بعض القصص الظاهرة البطلان مثل قصة الغرانيق المشهورة كما بينته في كتابي السابق «نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق» فليتنبه لهذا فإنه مهم جدا.