كما تبين أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها إلا إحدى عشرى ركعة، فهذا كله مما يمهد لنا السبيل لنقول بوجوب التزام هذا العدد وعدم الزيادة عليه اتباعا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: « ... فإنه من يعش منكم من بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» زاد في حديث آخر: «وكل ضلالة في النار». رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم. ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية ومنها ما نحن فيه من عدد ركعات التراويح فقد بلغ اختلافهم فيه إلى ثمانية أقوال:
الأول «٤١». الثاني «٣٦». الثالث «٣٤». الرابع «٢٨». الخامس «٢٤». السادس «٢٠». السابع «١٦». الثامن «١١»
ولما كان الحديث المذكور قد بين لنا المخرج من كل اختلاف قد تقع الأمة فيه وكانت هذه المسألة مما اختلفوا فيه، وجب علينا الرجوع إلى المخرج وهو التمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم -، وليست هي هنا إلا الإحدى عشرة ركعة فوجب الأخذ بها وترك ما يخالفها، ولا سيما أن سنة الخلفاء الراشدين قد وافقتها، ونحن نرى أن الزيادة عليها مخالفة لها لأن الأمر في العبادات على التوقيف والاتباع لا على التحسين العقلي والابتداع كما سبق بيانه في الرسالة الأولى ويأتي بسط ذلك في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى، ومن العجيب أن العامة قد تنبهوا لهذا فكثيرا ما تسمعهم يقولون بهذه المناسبة وغيرها:«الزايد أخو الناقص» فما بال الخاصة؟ ويعجبني بهذه المناسبة ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني وصاحب لي كنا في سفر فكنت أتم وكان صاحبي يقصر فقال له ابن عباس: «بل أنت الذي كنت تقصر وصاحبك الذي كان يتم». وهذا من فقه ابن عباس رضي الله عنه حيث جعل التمام والكمال في اتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - وجعل النقص والخلل فيما خالفها وإن كان أكثر عددا كيف لا وهو الذي دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:«اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»؟ والحقيقة أن من كان فقيها حقا لا يسعه أن يتعدى قول ابن عباس هذا بل يجعله أصلا في كل ما جاءت به الشريعة