للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض.

أخيرًا: نصل معكم إلى حديث متداول على الألسنة وهو والحمد لله من الأحاديث الصحيحة، وفيها اعتقاد أهل السنة أن الله عز وجل على العرش استوى، وأنه كما قال في القرآن الكريم: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: ١٦ - ١٧] ما هو الحديث؟ قال عليه الصلاة والسلام: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» قوله: ارحموا من في الأرض، يعني: الديدان والحشرات؟ لا، يعني: ليرحم بعضكم بعضًا هكذا، يرحمكم من في السماء، وهذه نقطة الهامة التي أريد أن ألفت نظركم إليها ربطًا لهذا الحديث بالآية السابقة: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] لأن بعض المبتدعة قديمًا وحديثًا يشكل عليهم هذا النص القرآني والحديث أيضًا، لكن الحديث النبوي يزيل الإشكال؛ لأنه قال: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» فلا أحد يفهم من قوله في الجملة الأولى من الحديث: من في الأرض، يعني: من في جوف الأرض وإنما من على الأرض، يعني: من البشر «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» في السماء أيضًا هنا بمعنى: على السماء، فحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض.

فقوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] هذه نقطة يجب أهل السنة أن يعرفوها حتى إذا ما جهلوها استغلوا من قبل المبتدعة حيث يقولون: أنتم تقولون: إن الله عز وجل على العرش استوى، وتفسرون استوى بمعنى استعلى، هذا ربنا يقول: {أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] فإذًا: الله في السماء، والسماء خلق من خلق الله، فهل السماء ظرف لله عز وجل أحاط به؟ والواقع أن الله وصف نفسه بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء: ١٢٦] فهو أكبر من كل شيء، لذلك نحن نستفتح صلواتنا بقولنا: الله أكبر، فكيف ربنا في السماء، وما معنى قول الجارية حينما سألها الرسول: أين الله؟ فقالت: في السماء، أي: على السماء؛ لأن حروف الجر يقوم بعضها مقام بعض، وعلى ذلك يتفق قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>