والحقيقة أن الحديث لا دلالة فيه على شيء من ذلك؛ لأن كون الغسل يوم الجمعة أفضل يصدق على الغسل سواء كان مستحبًا أو كان سنة مؤكدة أو كان حقًا واجبًا، فكل ذلك يدخل تحت قوله عليه السلام:«ومن اغتسل فالغسل أفضل» بل إن هذه الأفضلية تتأكد وتتحقق إذا قلنا بوجوب غسل الجمعة أكثر مما لو قلنا بسنيته، كما أننا إذا قلنا بسنية الغسل يوم الجمعة تتحقق هذه الأفضلية أكثر مما لو قلنا بالاستحباب، فلذلك [فليس في] قوله عليه السلام في هذا الحديث: «فالغسل أفضل» أن هذا الغسل ليس بواجب.
وشيء آخر لا بد من ذكره: أن هذا الحديث يمكن أن يكون إذا ما رجعنا إلى التمسك بدلالته الظاهرة فهو أفضل، يعني: ليس بواجب يمكن أن يقال بأن هذا الحديث كان قبل تأكيد الرسول عليه السلام بوجوب غسل الجمعة، وذلك من التدرج في التشريع الذي يلاحظه كل فقيه في بعض الأحكام الشرعية ومن أشهرها التدرج في تحريم الخمر.
فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعيشون في حياة صعبة من الناحية المادية وقلة المياه التي تساعدهم على النظافة، وكونهم كانوا يعملون أعمالًا من تعاطي الزراعة والفلاحة ونحو ذلك، فمن الصعب أن يؤمر وحالتهم هذه مباشرة أمرًا واجبًا بالغسل، ولذلك جاء في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد يوم جمعة فوجد منهم رائحة الثياب التي تعرقت، فقال لهم:«لو أنكم اغتسلتم يوم الجمعة» هذا مبدأ التمهيد بإيجاب غسل الجمعة؛ لأن فيها الحض الناعم اللطيف لهؤلاء الصحابة أن يغتسلوا يوم الجمعة بسبب الرائحة .. ورائحة العرق ونحو ذلك.
ثم جاءت أحاديث أخرى فيها كما سمعتم آنفًا الأمر بغسل الجمعة أمرًا مؤكدًا، وهذا ما فهمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يخطب يوم الجمعة ودخل عليه رجل، وفي رواية أنه عثمان بن عفان، وهو يخطب فقطع عمر بن الخطاب