يتقوى بكثرة الطرق، نظروا في هذه الكثرة من الطرق فوجدوا قسمًا لا بأس فيها من حيث صلاحيتها بأن تقوي الحديث في مجموع هذه الطرق، فذهبوا إلى قوة الحديث ما بين محسن ومصحح.
والاختلاف حينئذ بين المصحح وبين المحسن ليس اختلافًا جوهريًا؛ لأن كل من المصحح والمحسن يذهب إلى ثبوت الحديث، وبالتالي إلى شرعيته وشرعية العمل به، وقد تأيد هذا الحكم؛ لأنه قد جاء عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه أنه كان يصلي هذه الصلاة، وعبد الله بن المبارك إمام من أئمة المسلمين، وهو من شيوخ إمام السنة كالإمام أحمد رحمه الله فلولا أنه كان قد ثبت الحديث عنده لم يتعبد الله بهذه الصلاة التي فيها تلك الغرابة في هيئتها وكيفيتها، هذه الغرابة التي حملت ابن الجوزي وابن تيمية إلى حكم الوضع ولم يكن حكمهم كما ذكرنا من النظر في أسانيد هذا الحديث وأن فيها كلها وضاعون كذابون لا.
فبمجموع هذا الذي ذكرناه اطمأنت نفسي إلى أن الحديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى ذلك فالمسلم عليه أن يفعل ذلك في كل يوم مرة فإن لم يستطع ففي كل أسبوع، فإن لم يستطع ففي كل شهر، فإن لم يستطع ففي كل سنة، فإن لم يستطع فعلى الأقل في العمر مرة واحدة، هذا رأيي في صلاة التسابيح.
وخطر في بالي الآن أن أضيف إلى ما تقدم شيء آخر من البيان فأقول: إن الغرابة الموجودة في كيفية هذه الصلاة صحيح أنها لا مثل لها من حيث الكيفية، ولكن بعد أن ثبت الحديث على ما ذكرت آنفًا فالغرابة لا ينبغي أن يعلل بها الحديث، فنحن نعلم أن هناك صلاة صحيحة بإجماع علماء الحديث مع أن فيها أيضًا مخالفة للصلوات المعهودة أعني بها: صلاة الكسوف، فقد كسفت الشمس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - واتفق أن يوم كسوفها كان قد توفي فيه إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان من عادة الجاهلية أنهم يقولون: إذا كسفت الشمس إنما كسفت لموت عظيم، فلما اتفق كسوف الشمس مع وفاة إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: إنما كسفت الشمس لوفاة ابن النبي عليهما الصلاة والسلام، فخطب فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «يا أيها الناس إن