ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في «التنقيب» والقرطبي في «المفهم» وغيرهما. ويشهد لهم، ثم ذكر حديث سعيد بن أبي وقاص ثم حديث أبي أمامة وقال:«إنه أوضح منه في المقصود». ثم حديث أبي ذر وكلام القرطبي المتقدم فيه ثم قال:«وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح:
أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة.
فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها، ومما يدل على أن عمومه مخصوص: جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف وعند أبي داود من حديث عبد الله ابن الشخير أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله. إسناده صحيح وأصله في مسلم. والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم».
قلت: وتخصيص النووي للحديث الثاني الذي أشار إليه الحافظ بما إذا لم يكن في المسجد باطل لأنه ورد في خصوص المسجد كما سبق عن العراقي.
فكيف يجوز تخصيصه بغير ما ورد الحديث لأجله؟
والحق أنه لا تعارض بين الحديثين مطلقا:
فالحديث الأول - وما في معناه - أفاد أن البصق في المسجد خطيئة إذا لم يدفنها وأما إذا دفنها فليست بخطيئة لأنه - أعني الدفن - حسنة أطاحت خطيئة البصق كما في حديث أبي أمامة.
والحديث الثاني - أي حديث أبي هريرة المتقدم - إنما أجاز البصق مع الدفن كما سبق فإذا لم يدفنها فقد ارتكب الخطيئة لا محالة وحينئذ فالحديثان متفقان. والحمد لله.
ثم قال الحافظ العراقي:
«في قوله: «فيدفنه». ما يقتضي أن الترخص في البصاق في المسجد هو ما إذا كان