كان لم يسمع من ابن مسعود، فهو عنه مرسل في الظاهر، إلا أنه قد صحح جماعة من الأئمة مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود. قلت: وهذا التخصيص هو الصواب لما روى الأعمش قال: قلت: لإبراهيم: أسند لي عن ابن مسعود، فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله، فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله. علقه الحافظ هكذا في «التهذيب»، ووصله الطحاوي «١/ ١٣٣»، وابن سعد في «الطبقات»«٦/ ٢٧٢»، وأبو زرعة في «تاريخ دمشق»«١٢١/ ٢» بسند صحيح عنه. قلت: وهذا الأثر قد قال فيه إبراهيم: «قال عبد الله»، فقد تلقاه عنه من طريق جماعة، وهم من أصحاب ابن مسعود، فالنفس تطمئن لحديثهم لأنهم جماعة، وإن كانوا غير معروفين لغلبة الصدق على التابعين، وخاصة أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، ثم روى ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال:«لا تتخذوا المذابح في المساجد». وإسناده صحيح.
ثم روى بسند صحيح عن موسى بن عبيدة قال: رأيت مسجد أبي ذر، فلم أر فيه طاقا، وروى آثارا كثيرة عن السلف في كراهة المحراب في المسجد، وفي ما نقلناه عنه كفاية. وأما جزم الشيخ الكوثري في كلمته التي صدر بها رسالة السيوطي السالفة «ص ١٧»: أن المحراب كان موجودا في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو مع مخالفته لهذه الآثار التي يقطع من وقف عليها ببدعية المحراب، فلا جرم جزم بذلك جماعة من النقاد، كما سبق، فإنما عمدته في ذلك حديث لا يصح، ولا بد من الكلام عليه دفعا لتلبيسات الكوثري، وهو من حديث وائل بن حجر، وهو قوله:«حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نهض إلى المسجد، فدخل المحراب [يعني موضع المحراب]، ثم رفع يديه بالتكبير، ثم وضع يمينه على يسراه على صدره». ضعيف. [ثم فصل الإمام الكلام على ضعفه].