للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصلون في مسجد ليس فيه خيط، وقد يكون في المصليات التي بدأت تنتشر هذه السنة والحمد لله في كثير من البلاد يصلون في العراء، فتجد الصف من أسوأ الصفوف، لا يُحْسنون؛ لأنهم لم يتمرنوا في مساجدهم، ولم يُمَرِّنهم أئمتُهم على تسوية الصف؛ لأنهم لا يصلون إلا على الخيط.

فهم يعتمدون مع أئمتهم على الصلاة على الخيط المبتدع، وهذا بلا شك من وحي الشيطان، وتأكيداً لبعض الآثار التي جاءت عن بعض سلفنا، الذي يقول: «ما أُحْدِثَت بدعة، إلا وأُمِيْتَت سنة». هذه حقيقة نَلْمَسُها لَمْس اليد.

وهذه هو المثال بين أيديكم، مد الخط في المسجد؛ لكي لا يقول أحد للثاني يا أخي تَقَدَّم وتَأَخَّر، حتى يُصبح الصف مستقيماً تماماً، كما كان الرسول يفعل والخلفاء من بعده، حتى كان في زمن عثمان رضي الله عنه.

لما اتسع المسجد النبوي بالمصلين، وتكاثرت الصفوف تكاثراً عظيماً جداً، وكُلُّ شخص معنيا بتسوية الصفوف، فهو يأمر الجميع بتسوية الصفوف، ويساعده ذلك الموظف، فلا يقولوا: الله أكبر، إلا بعد أن يَسْمَع من المُسَوِّي للصفوف بأن الصفوف قد استوت.

هذه السُنَن قد أُلْغِيَت منذ زمن بعيد، ثم وُجِدَت الآن الوسائل المُيَسّرة لمد الخط في المساجد، وتفننوا فيها، وصاروا يطبعوا السجاجيد بخط أبيض، ليس هناك مد خط من أول المسجد إلى آخره، هذا كله تعطيل لأمر تسوية الصفوف الذي كان الرسول عليه السلام يبالغ في الحض على تسويتها إلى درجة أنه كان يقول: «لتُسَوّون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم» «سَوُّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من حسن الصلاة» وفي الرواية الأخرى: «من تمام الصلاة».

ومع صحة هذه الأحاديث -بالمناسبة أقول-: قد أهدرها الأئمة؛ لأن الإمامة والتأذين اليوم ككل الوظائف الدينية، أصبحت كسائر الوظائف الحكومية، وظيفة يؤديها الموظف لا يَقْصُد بها وجه الله، ولا يبتغي بها وجه الله تبارك وتعالى، فالإمام بِدّه يخلص من هالوظيفة كإنسان حامل الحِمْل على أكتافه، بِدّه يرميه أرضاً، بينما

<<  <  ج: ص:  >  >>