إذا علمت ما تقدم أن ظاهر الآية وسبب النزول يفيد أنه مسجد قباء وأن الحديث بخلاف ذلك يفيد أنه المسجد النبوي فلا بد من التوفيق بينهما فقال ابن كثير:
«ولا منافاة بين الآية وبين هذا لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم فمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق الأولى والأحرى».
وكأنه من كلام شيخه ابن تيمية رحمه الله فقد قال في «تفسير سورة الإخلاص»«ص ١٧٢»: «قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في «الصحيحين» أنه كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا وذلك لأن الله أنزل عليه: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} وكان مسجده هو الأحق بهذا الوصف. وقد ثبت في «الصحيح» أنه سئل عن المسجد المؤسس على التقوى فقال: «هو مسجدي هذا» يريد أنه أكمل في هذا الوصف من مسجد قباء ومسجد قباء أيضا أسس على التقوى وبسببه «كذا» الآية ولهذا قال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين} وكان أهل قباء مع الوضوء والغسل يستنجون بالماء وتعلموا ذلك من جيرانهم اليهود ولم تكن العرب تفعل ذلك فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يظن ظان ذاك الذي أسس على التقوى دون مسجده فذكر مسجده أحق بأن يكون هو المؤسس على التقوى فقوله:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى}[التوبة / ١٠٨] يتناول مسجده ومسجد قباء ويتناول كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار».
وقد ذهب إلى هذا الجمع الحافظ ابن حجر ونقل نحوه عن الداودي والسهيلي وغيرهما، وهو الحق الذي يجب المصير إليه لأن خلافه يلزم منه إما رد ما أفاده القرآن من أجل الحديث أو العكس، وكل من الأمرين خطأ بل ضلال وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه».