إذا هو برجل نازل في ظل شجرة، فقال لي: انطلق فاعلم من ذاك؟ فانطلقت؛ فإذا هو صهيب، فرجعت إليه فقلت: إنك أمرتني أن أَعْلَمَ لك من ذاك؟ وإنه صهيب. فقال: مروه فليلحق بنا. فقلت: إن معه أهله! قال: وإن كان معه أهله- وربما قال أيوب مرة: فليلحق بنا-! فلما بلغنا المدينة؛ لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب، فجاء صهيب، فقال: واأخاه! واصاحباه! فقال عمر: ألم تعلم- أو لم تسمع- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه»؟ ! فأما عبد الله فأرسلها مرسلة، وأما عمر فقال:«ببعض بكاء ... ». فأتيت عائشة -رضي الله عنها-، فذكرت لها قول عمر؟ فقالت: لا والله! ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن الميت يعذب ببكاء أحد! ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكرت الحديث. [قالت]: وإن الله لهو أضحك وأبكى، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}! قال أيوب: وقال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم قال: لما بلغ عائشة رضي الله عنها قول عمر وابن عمر؛ قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين، ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ. وأخرجه النسائي «١/ ٢٦٣» ببعض اختصار. «تنبيه»: من الواضح من السياق المتقدم: أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تخطِّئ عمر، وابنه- رضي الله عنهما- فيما.
سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«إن الميت ليعذب ببكاء- أو ببعض بكاء- أهله عليه». وعللت ذلك بأن السمع يخطئ، فتذهب إلى أن الصواب في الحديث: أن الكافر هو الذي يعذب ببكاء أهله.
ونحن نقول: إن التعليل المذكور يرد عليها أيضاً، بل هي به أولى؛ لأنها فرد وهما اثنان، كيف ومعهما ثالث وهو: المغيرة بن شعبة؟ ! انظر حديثه في «أحكام الجنائز»«٤١/ ٧»، ومعهم رابع وهو: عمران بن حصين؛ «أحكام الجنائز»«٤٠/ ٦»، فتخطئة هؤلاء من أجل فرد أبعد ما يكون عن الصواب. لكني أقول: إنه لا ضرورة لتخطئة أم المؤمنين عائشة، بل إنها قد حدثت بما سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعل ذلك كان لمناسبة وفاة أحد الكفار من اليهود أو غيرهم؛ علماً بأنه لا منافاة بين حديثها وحديث الجماعة؛ فإن لفظ:«الميت» عندهم يشمل الكافر كما هو ظاهر. والله أعلم. وأما احتجاجها بقوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}؛ فغير