ثم قال الترمذي عقب الحديث:«هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة، إنما هو الثناء على الله: والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والدعاء للميت، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة».
قلت: وهذا الحديث وما في معناه حُجَّة عليهم، لا يقال: ليس فيه التصريح بنسبة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لاننا نقول: أن قول الصحابي من السنة كذا.
مسند مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصح الأقوال حتى عند الحنفية، بل قال النووي في، «المجموع»«٥/ ٢٣٢»: «إنه المذهب الصحيح الذي قاله جمهور العلماء من أصحابنا في الاصول وغيرهم من الاصوليين والمحدثين».
قلت وبهذا جزم المحقق ابن الهمام في «التحرير»، وقال شارحه ابن أمير حاج «٢/ ٢٢٤»: «وهذا قول أصحابنا المتقدمين، وبه أخذ صاحب الميزان والشافعية وجمهور المحدثين».
قلت: وعليه فمن العجائب أن لا يأخذ الحنفية بهذا الحديث مع صحته ومجيئه من غير ما وجه، ومع صلاحيته لاثبات السنة على طريقتهم وأصولهم! فقال الامام محمد في «الموطأ»«ص ١٧٥»: «لا قراءة على الجنازة، وهو قول أبي حنيفة».
ومثله في «المبسوط» للسرخسي «٢/ ٦٤».
ولما رأى بعض المتأخرين منهم بُعْد هذا القول عن الصواب، ومجافاته عن الحديث، قال بجواز قراءة الفاتحة بشرط أن ينوي بها الدعاء والثناء على الله وإنما اشترطوا ذلك توفيقا منهم - بزعمهم - بين الحديث وقول إمامهم، فكأن قوله حديث آخر صحيح، ينبغي قرنه مع الحديث الصحيح ثم الجمع بينهما! ومع أن هذا الشرط باطل في نفسه لعدم وروده، فإنه يبطله ثبوت قراءة السورة مع الفاتحة في الحديث، وهي مطلقة لا يمكن اشتراط ذلك الشرط فيها أيضا! وعندهم عجيبة