للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أننا نقول: لسنا مع ابن حزم في إنكاره القياس جملةً وتفصيلاً، ولكننا أيضا لسنا مع الآرائيين والقياسيين الذين وقفوا على طرف نقيض مع ابن حزم، فابن حزم أنكره جملةً وتفصيلاً، وهؤلاء تَوَسَّعوا تَوَسُّعًا شديدًا وكثيرا، وجاؤوا بأحكام ليس المسلمون بحاجة إليها إطلاقا، وإنما نحن وَسَطًا بين من يُنكر القياس وبين من يتوسع في القياس، هذا الوسط استفدته من كلمة للإمام القرشي المطلبي «محمد ابن إدريس الشافعي» حيث قال: القياس ضرورة، القياس ضرورة، يعني لإيجاد مخرج لمسلم لا يجد نصا، وقد يكون النص موجودًا لكن هو لم يُدركه ولم يصل إليه، فلا بد حينئذ من القياس.

والقياس كما تعلمون له شروطه، فلا يصح أن نقيس لنتوسع في العبادات، فإنما جاء في الشرع من العبادات ما يكفي ويغني عن الإحداث.

ومن هنا كان خطأ القائلين بالبدعة الحسنة في الدين، خطأً ظاهرًا جليًا.

فهنا نحن نقول: لماذا القياس؟ لماذا قياس التلاوة على الصيام؟ لو كان ثبت الصيام أن للمسلم أن يصوم عن أي مسلم سواء كان فرضا أو كان نفلا، لا شيء من ذلك إطلاقا.

ثم إن هذا القياس سيفتح على القائسين والقائلين به بابا لا أظن أن أحدا منهم يستطيع أن يَسُدّه إلا بالرجوع إلى القاعدة، {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} وأن من يستثني من هذه القاعدة، فلا بد له من نص يعتمد عليه من باب العام والخاص أو المطلق والمقيد.

أما القياس، فهذا ما ينبغي أن نصير إليه لتخصيص القاعدة التي هي أصل من أصول الدين، بمجرد القياس سيفتح عليهم بابًا لا قِبَل لهم بغلقه، كيف إذا قيل ما الفرق بين التلاوة وبين الصيام؟ قد يقول قائل: وما الفرق بين التلاوة والصلاة، فكما تتلوا عن المسلمين، فلك أيضا أن تصلي على المسلمين، فما كان جوابنا على الصلاة كان جوابنا عن الصيام كان جوابنا بالتالي عن التلاوة، هذا ما عندي.

(الهدى والنور/٧٨٣/ ٥٣: ٠٤: ٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>