للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك خلافا. ولا يغتر بكثرة العادات الفاسدة فإن هذا من التشبه بأهل الكتابين الذي أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كائن في هذه الامة. وأصل ذلك إنما هو اعتقاد فضل الدعاء عندها، وإلا فلو لم يقم هذا الاعتقاد في القلوب لا نمحى ذلك كله. فإذا كان قصدها يجر هذه المفاسد كان حراما كالصلاة عندها وأولى، وكان ذلك فتنة للخلق، وفتحا لباب الشرك، وإغلاقاً لباب الايمان».

قلت: ومما يدخل في ذلك دخولا أوليا ما هو مشاهد اليوم في المدينة المنورة، من قصد الناس دبر كل صلاة مكتوبة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: للسلام عليه والدعاء عنده وبه، ويرفعون أصواتهم لديه، حتى ليضج المسجد بهم، ولا سيما في موسم الحج حتى لكأن ذلك من سنن الصلاة! بل إنهم ليحافظون عليه أكثر من محافظتهم على السنن وكل ذلك يقع من مرأى ومسمع من ولاة الأمر، ولا أحد منهم ينكر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وواأسفاً على غربة الدين وأهله، وفي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ينبغي أن يكون أبعد المساجد بعد المسجد الحرام عما يخالف شريعته عليه الصلاة والسلام.

هذا، وقد سبق في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية أن بعض أهل العلم رخص في إتيان القبر الشريف للسلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها. وكأن ذلك يقيد

عدم الإكثار والتكرار بدليل قوله عقب ذلك: «وأما قصده دائما للصلاة والسلام فما علمت أحدا رخص فيه».

قلت: وهذا الترخيص الذي نقله الشيخ عن بعض أهل العلم هو الذي نراه ونعتمد عليه بشرط القيد المذكور، فيجوز لمن بالمدينة إتيان القبر الشريف للسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، أحيانا، لان ذلك ليس، من اتخاذه عيدا كما هو ظاهر، والسلام عليه وعلى صاحبيه مشروع بالادلة العامة، فلا يجوز نفي المشروعية مطلقا لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ قبره عيدا، لامكان الجمع بملاحظة الشرط الذي ذكرنا، ولا يخرج عليه أننا لا نعلم أن أحدا من السلف كان يفعل ذلك، لان عدم العلم بالشئ لا يستلزم العلم

<<  <  ج: ص:  >  >>