وهناك رواية من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل أجاب: بأن الله عز وجل قبل شفاعته عليه السلام أن يخفف العذاب مادام الغصن رطباً.
إذاً: ما هو السبب في التخفيف؟ شفاعة الرسول أي: دعاء الرسول، إذاً: الرطابة هذه ليست هي السبب، إنما هي علامة، ماداما رطبين فالعذاب مخفف، هذا صريح في الحديث.
لكن هناك أشياء استنباطية نظرية سليمة تؤكد هذا المنصوص في الحديث، أول ذلك: لو كان مجرد وضع الغصن الأخضر على القبر سبباً لتخفيف العذاب، لجرى السلف الأول على اتخاذ هذه الوسيلة تخفيفاً للعذاب، وإذ لم يفعلوا، فهذا دليل أنهم لم يفهموا ذلك الفهم الخلفي أن سبب التخفيف هو رطابة الغصن، هذا شيء.
وشيءٌ ثانٍ: لو أن ذلك يكون سبباً شرعياً لتخفيف العذاب، فهنيئاً للكفار الذين أصبحت مقابرهم حدائق غناء، فإذًا يُخَفَّف عنهم العذاب؛ بسبب هذه العلة المُبْتَدعة المختلقة التي لا أصل لها في السنة.
وثالثاً وأخيراً: رُبُّنا عز وجل يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤]، كل شيء حول الميت، بل الميت نفسه، سواء كان لا يزال لحماً على عظم، أو ذاب اللحم وبقي العظم، أو صار العظم رميماً، كل هذا وهذا وهذا، داخل في عموم قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}[الإسراء: ٤٤].
إذاً: لا فرق بين الأخضر وبين اليابس، لا فرق بين الشجر وبين الحجر، بين الحجر وبين المدر، كله داخل في عموم الآية الكريمة، لذلك: إن هذا الذي يقولونه إلا اختلاق.