وإن من شؤم الأحاديث الضعيفة أن يستدل بها بعض أهل العلم على تأويل الأحاديث الصحيحة كهذا الحديث، فقد احتج به الطحاوي لذلك التأويل الباطل! واحتج أيضا بحديث آخر فقال:«حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا الخصيب قال: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال: هلم يا ابن أخي أخبرك إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبور لحدث: غائط أو بول.
قلت: وهذا سند رجاله ثقات معرفون غير عمرو بن علي، فلم أعرفه، ولم أجد في هذه الطبقة من اسمه عمرو بن علي، ويغلب على الظن أن واو «عمرو» زيادة من بعض النساخ، وأن الصواب «عمر بن علي» وهو عمرو بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي وهو ثقة ولكنه كان يدلس تدليسا عجيبا يعرف بتدليس السكوت قال ابن سعد كان يدلس تدليسا شديدا يقول: سمعت وحدثنا، ثم يسكت فيقول: هشام بن عروة والأعمش.
قلت: ومثل هذا التدليس حري بحديث صاحبه أن يتوقف عن الاحتجاج به ولوصرح بالتحديث خشية أن يكون سكت بعد قوله حدثنا، ولا يفترض في كل الرواة الآخذين عنه أن يكونوا قد تنبهو التدليسه هذا، وكأنه لهذا الذي أوضحنا، اقتصر الحافظ في «الفتح»«٣/ ١٧٤» على قوله «ورجال إسناده ثقات» ولم يصححه، بينما رأيناه قد صرح بتصحيح إسناد الحديث من طريق أخرى عن عثمان بن حكيم بنحوه وقد علقه البخاري عنه فقال:«وقال عثمان بن حكيم: أخذ بيدي خارجة، فأجلسني على قبر، وأخبرني عن عمه يزيد بن ثابت قال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليه». فقال الحافظ:«وصله مسدد في مسنده الكبير وبين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك ولفظه: حدثنا عيسى بن يونس: حدثنا عثمان بن حكيم: حدثنا عبد الله بن سرجس وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي أحب إلي من أن أجلس على قبر، قال عثمان: فرأيت خارجة بن زيد في المقابر، فذكرت له ذلك فأخذ بيدي ... الحديث. وهذا إسناد صحيح». ففي هذا الإسناد الصحيح لم يصرح الراوي برفع ذلك إلى