فأتموا الشهر ثلاثين يومًا» فقوله عليه الصلاة والسلام: صوموا. كما ترون نص شامل يشمل كل المكلفين، ولكن لما كان الأمر في العهود الأولى لا يتيسر تبليغ رؤية من رأى الهلال ليثبت الشهر، لم يكن ميسورًا، فكان كل إقليم بل وربما كل بلدة يصومون لرؤية بلدهم، أما وقد تيسرت الوسائل لتبليغ الرؤية من المشرق إلى المغرب أو من الشمال إلى الجنوب فحينئذ أعتقد أن الراجح هو إعمال هذا الحديث بحيث أن المسلمين جميعًا يصومون - لا أقول في وقت واحد ولكن - في وقت متتابع لما هو معروف من اختلاف مطالع الشمس وغروب الشمس، ولكن لا ينبغي أن يختلفوا في تحديد اليوم الذي رئي فيه الهلال، فإذا رئي في المشرق فينبغي أن يصوم على رؤيته أهل المشرق أهل المغرب من باب أولى، والعكس بالعكس: قد يكون الهلال لم ير في المشرق لغيم أو غبار أو نحو ذلك من الأسباب الطبيعية فيرى نحو المغرب بوضوح، ثم وصل خبر رؤية الهلال في الغرب إلى أهل المشرق فعليهم أن يصوموا، وإن وصلهم في أثناء النهار مثلًا فعليهم أن يمسكوا ذلك اليوم وأن يقضوا يومًا آخر، فإن جاءهم مثلًا في آخر النهار فمعناه: يصبحون في اليوم التالي صائمين، وهكذا دواليك.
فقوله عليه السلام:«صوموا لرؤيته» يشمل الأمة كلها، وليس يعقل من جهة أخرى تقسيم البلاد إلى أقاليم؛ لأن تقسيمها هذا التقسيم قد يكون صدر ذلك من سياسة ليست سياسة إسلامية من جهة، أو قد يكون هناك اصطلاح قديم جعلوا بعض البلاد متميزة عن البعض الآخر من الناحية الطبيعية، ولكن حكم الله تبارك وتعالى يجب أن يكون شاملًا جميع المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، فليس شأن وقت الصيام كالمواقيت كالصلاة فهي تختلف تمام الاختلاف بسبب طلوع الشمس وغروبها واستوائها في وسط السماء، فهذه المواقيت في الصلوات الخمس تختلف كل الاختلاف عن موضوع الصيام؛ لأن الصيام إنما هو لرؤية الهلال صيامًا ثم رؤية الهلال إفطارًا فهو شيء واحد لا يتكرر، لذلك كان الراجح فيما بان لي وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكثير من المحققين المتأخرين.