أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام، فأكل منه، ثم ركب، فقلت له: سنة؟ فقال: نعم.
أخرجه الترمذي وحسنه، والبيهقي والسياق له، وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين، وترجم البيهقي بـ «باب من قال: يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر».
والحديث صريح في هذا، بل هو يدل على أكثر من ذلك، وهو جواز الإفطار قبل الخروج بعد التأهب، ولذلك قال ابن العربي المالكي:
وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر، حتى ذكر أن قوله:«من السنة»، لا بد أن يرجع إلى التوقيف، والخلاف في ذلك معروف في الأصول.
قال الشوكاني في نيل الأوطار:
والحق أن قول الصحابي «من السنة» ينصرف إلى سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد صرح هذا الصحابي بأن الإفطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة.
الأمر الآخر: إنه قد قال بجواز ذلك جماعة من السلف والأئمة، فمنهم الإمام أحمد في مسائل أبي داود عنه «ص ٩٥»، ومنهم الشعبي كما في «البداية» لابن رشد «١/ ٢٠٤»، ومنهم عمرو بن شرحبيل - وهو تابعي مخضرم- رواه البيهقي بسند صحيح عنه، ومذهب الحنابلة على هذا كما في كتب المذهب، مثل كشاف القناع وغيره، واستظهره الإمام الصنعاني.
فلعل كاتب الفتوى لم يستحضر حين الكتابة هذا الذي أوردناه من السنة، وأقوال الأئمة، ولذلك رأيت أنه لابد من أن أنبه إليه وأذكر به «فإن الذكرى تنفع المؤمنين» والله سبحانه ولي المتقين.