فسوف لا يجني المسلمون منه إلا ذلا وضعفا والواقع أكبر شاهد على ذلك والله المستعان. وقد تتطلب الدعوة إلى ما سبق شيئا قليلا أو كثيرا من الجدال بالتي هي أحسن كما قال الله عز وجل:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} - النحل: ١٢٥. فلا يصدنك عن ذلك معارضة الجهلة بقوله تعالى:« ... فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» - البقرة: ١٩٦.
فإن الجدال المنهي عنه في الحج هو كالفسق المنهي عنه في غير الحج أيضا وهو الجدال بالباطل وهو غير الجدال المأمور به في آية الدعوة قال ابن حزم رحمه الله «٧/ ١٩٦»: «والجدال قسمان: قسم واجب وحق وقسم في باطل فالذي في الحق واجب في الإحرام وغير الإحرام قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ} ومن جادل في طلب حق به فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى وسعى في إظهار الحق والمنع من الباطل، وهكذا كل من جادل في حق لغيره أو لله تعالى، والجدال بالباطل وفي الباطل عمدا ذاكرا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج لقوله تعالى:{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة: ١٩٦] وهذا كله على أن «الجدال» في الآية بمعنى المخاصمة والملاحاة حتى تغضب صاحبك. وقد ذهب إلى هذا المعنى جماعة من السلف وعزاه ابن قدامة في «المغني»«٣/ ٢٩٦» إلى الجمهور ورجحه. وهناك في تفسيره قول آخر: وهو المجادلة في وقت الحج ومناسكه واختاره ابن جرير ثم ابن تيمية في «مجموعة الرسائل الكبرى»«٢/ ٣٦١» وعلى هذا فالآية غير واردة فيما نحن فيه أصلا. والله أعلم. ومع ذلك فإنه ينبغي أن يلاحظ الداعية أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف له لتعصبه لرأيه وأنه إذا صابره على الجدل فلربما ترتب عليه ما لا يجوز، فمن الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا». رواه أبو داود بسند حسن عن أبي أمامة وللترمذي نحوه من حديث أنس وحسنه وفقنا الله والمسلمين لمعرفة سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - واتباع هديه.