وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل بالظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث. والله أعلم. قلت: وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من أصحابه وأحاديثهم كلها صحاح وقد ساقها ابن القيم في الزاد «١: ٢٨٢ - ٢٨٦» وذكر أنه قول ابن عباس ومذهب أحمد وأهل الحديث. وهو الحق الذي لا ريب فيه عندنا. وقد أجاب ابن القيم عن شبهات المخالفين فراجعه «١: ٢٨٦ - ٣٠٣». واعلم أن حديث سراقة هذا فيه دليل قاطع على بطلان الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل لنا خاصة ". إذ كيف يمكن أن يصح هذا وهو صلى الله عليه وسلم يقول: " دخلت العمرة الحج إلى يوم القيامة لا بل لأبد أبد ... " لا سيما وهو قد صدر جوابا عن سؤال مثل سؤال بلال المذكور: " متعتنا هذا أو لأبد الأبد؟ ". على أن حديث الحارث هذا معلول من جهة إسناده أيضا وهي جهالة الحارث ولذلك ضعف حديثه جماعة من الأئمة كأحمد وابن حزم وابن القيم وقد فصلت القول في ذلك في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " «رقم بعد ١٠٠٠». وأما ما رواه مسلم وغيره عن أبي ذر أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة. فهو مع كونه موقوفا معارض للحديث المرفوع فإن ظاهره مما لا يقول به أحد لاتفاق العلماء جميعا - فيما علمنا - على جواز التمتع في الحج كيف لا وهي في كتاب الله تعالى «فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي». (٢) زاد في حديث آخر: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ: «فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب الحسنى فسنيسره للعسرى» رواه البخاري وغيره.