وشاع مع الأسف هذا الحديث على ألسنة الناس، وأصبح عقيدة متركزة في أذهانهم، فيظنون أنه لا بد لكل من دخل المسجد الحرام أن يبتدئه بالطواف، هذا لا أصل له، وإنما الطواف بالنسبة للآفاقي القادم بحج أو عمرة، الطواف إنما هو بالنسبة للآفاقي، يعني الغريب عن مكة ويدخلها إما معتمراً وإما حاجاً؛ فهو في هذه الحالة لا بد له من الطواف ثم صلاة الركعتين عند المقام.
إذًا: حديث: «تحية البيت الطواف» لا أصل له، ولذلك قال مخرج الكتاب؛ أعني كتاب «الهداية» الذي أورد هذا الحديث منسوباً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال مُخَرِّجه الحافظ زين الدين الزيلعي، وهو من كبار علماء الحديث أولاً، ومن نوادر علماء الحديث الحنفية ثانياً؛ لأني آسف جداً أن علماء الأحناف قَلَّ من يوجد فيهم من برز في علم الحديث؛ بينما المذاهب الأخرى فيهم الخير والبركة.
أما هذا الحافظ زين الدين الزيلعي فهو من نوادر علماء الحديث في علماء الحنفية، فهو يقول حينما خَرَّج هذا الحديث متأدباً مع مؤلف كتاب «الهداية» أدباً زائداً عن حدود الأدب المفروض بين العلماء، حيث قال: حديث غريب. كان حقه أن يقول كما يقول الحافظ العراقي في بعض «أحاديث علوم الدين»: لا أصل له. فإن تلطف عدّل العبارة وقال: لم أجد له أصلاً، هكذا أرى أنه كان من الواجب على الحافظ الزيلعي أن يفصح عن حقيقة هذا الحديث:«تحية البيت الطواف»، بأن يقول على ألأقل بالتعبير الثاني «العراقي»: لم أجد له أصلاً. لكنه قال: غريب، وهذا القول في نفسه غريب لِمَ؟
لأن علماء الحديث لهم اصطلاح خاص في هذه الكلمة الخاصة. إذا قال أحد علماء الحديث مثلاً كالترمذي: في «سننه» وكالأصفهاني أبي نعيم في «حليته» يقولان في كثير من الأحاديث: حديث غريب. هذه الكلمة تعني في المصطلح: غريب أن تفرد به راوٍ، ثم لفظةُ الغريب في المصطلح تنقسم إلى قسمين، إلى صحيح وإلى ضعيف؛ أي فكلمة الغرابة تُجَامِع الصحة تارةً، وتباينُها تارةً أخرى، فإذا قيل عن