للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمحل المحال، وكيف يأمرهم بالفسخ، ويقول: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»، ثم يثبت عنه أن ذلك مختص بالصحابة، دون من بعدهم؟ فنحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلط عليه. وأما ما رواه مسلم في «صحيحه» وأصحاب «السنن» وغيرهم عن أبي ذر أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا مع كونه موقوفا، إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، ولذلك قال الإمام أحمد: رحم الله أبا ذر هي في كتاب الرحمن: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}. وإن أريد به متعة فسخ الحج، احتمل ثلاثة وجوه من التأويل، ذكرها ابن القيم، فليراجعها من شاء، فإن غرضنا هنا التنبيه على ضعف هذا الحديث الذي يحتج به من لا يذهب إلى أفضلية متعة الحج ويرى الإفراد أوالقران أفضل، مع أن ذلك خلاف الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة استقصاها ابن القيم في «الزاد» فلتطلب من هناك.

وقال ابن حزم في «المحلى» «٧/ ١٠٨»: والحارث بن بلال مجهول، ولم يخرج أحد هذا الخبر في صحيح الحديث، وقد صح خلافه بيقين، كما أوردنا من طريق جابر بن عبد الله أن سراقة بن مالك قال لرسول الله إذ أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بل لأبد الأبد». رواه مسلم. وبهذه المناسبة أقول: من المشهور الاستدلال في رد دلالة حديث جابر هذا وما في معناه على أفضلية التمتع، بل وجوبه بما ثبت عن عمر وعثمان من النهي عن متعة الحج، بل ثبت عن عمر أنه كان يضرب على ذلك، وروي مثله عن عثمان، حتى صار ذلك فتنة لكثير من الناس وصادا لهم عن الأخذ بحديث جابر المذكور وغيره، ويدعمون ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين»، وقوله: «اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر»، ونحن نجيب عن هذا الاستدلال غيرة على السنة المحمدية من وجوه: الأول: أن هذين الحديثين لا يراد بهما قطعا اتباع أحد الخلفاء الراشدين في حالة كونه مخالفا لسنته - صلى الله عليه وسلم - باجتهاده، لا قصدا لمخالفتها، حاشاه من ذلك، ومن أمثلة هذا ما صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينهى من لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي! ! وإتمام عثمان

<<  <  ج: ص:  >  >>