لذلك لا يستطيعون أن ينفذوا حكم الكفر والقتل في تارك واحد للصلاة؛ بله جمع من التاركين؛ ولو في دولتهم فضلاً عن الدول الإسلامية الأخرى! فإن قتل التارك للصلاة بعد دعوته إليها إنما كان لحكمة ظاهرة، وهو لعله يتوب إذا كان مؤمناً بها، فإذا آثر القتل عليها؛ دل ذلك على أن تركه كان عن جحد، فيموت -والحالة هذه- كافراً؛ كما تقدم عن ابن تيمية، فامتناعه منها في هذه الحالة دليل عملي على خروجه من الملة. وهذا مما لا سبيل إلى تحقيقه اليوم مع الأسف، فليقنع العلماء -إذن من الوجهة النظرية- على ما عليه جمهور أئمة المسلمين؛ بعدم تكفير تارك الصلاة مع إيمانه بها، وقد قدمنا الدليل القاطع على ذلك من السنة الصحيحة؛ فلا عذر لأحد بعد ذلك {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[النور: ٦٣].
ثم طَبَعْتُ هذا البحث في رسالة خاصة بعنوان «حكم تارك الصلاة» فنفع الله بها من شاء من عباده، واستنكر بعض المؤلفين ما فيه من الحكم: أن تارك الصلاة كسلاً -مع إيمانه بها- ليس بكافر؛ لمخالفته إياه عقيدة، فهو بهذا الاعتبار مخالف له؛ وهو عمل قلبي؛ والله عز وجل ضمن أن لا يضيعه؛ كما قال أبو سعيد في الحديث هذا: فمن لم يصدق بهذا الحديث؛ فليقرأ هذه الآية:{إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ... }.
وبالنظر إلى تركه الصلاة فهو مشابه للكفار عملاً؛ الذين يتحسرون يوم القيامة؛ فيقولون وهم في سقر:{لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين}[المدثر: ٤٣، ٤٤] فكفره كفر عملي؛ لأنه عمل عمل الكفار؛ فهو كالتارك للزكاة؛ وقد صح الحديث أيضاً أن مانع الزكاة يعذب يوم القيامة بماله الذي كان منعه، ثم يساق إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولكن المؤلف المشار إليه -هدانا الله وإياه- تأول هذا الحديث كما تأول حديث المانع للزكاة تأويلاً عطل دلالته الصريحة على ما ذهبنا إليه من الفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ مع أنه قد صح هذا عن ابن عباس وبعض تلامذته، وجرى عليه من بعدهم من أتباع السلف؛ كابن القيم وشيخه؛ كما