للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= "وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا".

وما ذكره عن عطاء رواه ابن أبي شيبة في المصنف ١/ ٦٦.
وروى ابن المنذر عن مجاهد وعطاء قالا:
"إذا أردت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل".
ذكره الشوكاني ١/ ٢٠٢.
وقال الحافظ ابن كثير ١/ ٢٦٠:
"وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر عليها بشرطه إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل".
أقول: فهذا الاتفاق المذكور غير صحيح بعد أن علمت أن ثلاثة من كبار علماء التابعين مجاهد وقتادة وعطاء قالوا بجواز إتيانها ولو لم تغتسل فكيف يصح اتفاق وهؤلاء على خلافه؟ ! وإن في ذلك لعبرة للعاقل أن لا يتسرع في دعوى الاتفاق على شيء لصعوبة التحقق منه وأن لا يبادر إلى تصديقها ولا سيما إذا كانت مخالفة للسنة أو الدليل الشرعي.
ثم إن ما حكاه ابن كثير عن أبي حنيفة فد حكاه غيره أيضا.
متعقبين له رادين عليه فقد وصفه ابن جزم بأنه: "لا قول أسقط منه لأنه تحكم بالباطل بلا دليل أصلا ولا نعلم أحدا قاله قبل أبي حنيفة ولا بعده إلا من قلده".
وقال القرطبي ٣/ ٧٩: "وهذا تحكم لا وجه له".
ولهذا قال السيد رشيد رضا: "وهو تفصيل غريب".
ووجه ذلك أن الله تبارك وتعالى اشترط لحل إتياهن أن يتطهرن وهو استعنال الماء وهو أمر زائد على طهرهن من الحيض كما سبق فلا يجوز إلغاء هذا الشرط أو تخصيصه بما إذا انقطع قبل العشرة وإنما هو رأي لأبي حنيفة رحمه الله بدا له لا يجوز لنا الأخذ به لمخالفته إطلاق الآية وهو رحمه الله قد قال فيما صح عنه:
"لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا".
فكيف يجوز لنا الأخذ بقوله وقد علمنا مخالفته للدليل؟ ! ثم اعلم أننا إنما خيرنا بين "أن تغسل الدم أو تتوضأ أو تغتسل لأن اسم "التطهر" يقع على كل من هذه الأمور الثلاثة قال ابن حزم:
"الوضوء تطهر بلا خلاف وغسل الفرج بالماء تطهر كذلك وغسل جميع الجسد تطهر فبأي هذه الوجوه تطهرت التي رأت الطهر من الحيض فقد حل به لنا إتيانها وبالله التوفيق".
وفي مثل المعنى الثاني وهو غسل الفرج بالماء نزل قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فإن النراد المتطهرين من الغائط فقد صح أنه لما أنزلت هذه الآية قال - صلى الله عليه وسلم - لأهل قباء:
"إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الذي تطهورن به؟ " قالوا: والله يا رسول الله مانعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. قال: "هو ذاك فعليكم به".
وقد استعمل التطهر بنفس هذا المعنى في حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها". =

<<  <  ج: ص:  >  >>