أما الآن لم يبقَ مثل هذا الرصيد عملياً، بحيث أنك إذا ذهبت إلى البنك في أيِّ بلد كنت، بعملته ذلك البلد وقلت أعطوني مقابل هذا ذهباً فلا يستجيبون لك، فبهذا الاعتبار كان للعملة الورقية قيمة مدخرة في البنك من الذهب .. كان يومئذٍ لا يجوز بيع الدينار بالدينار إلا مثلاً بمثل ويداً بيد، لماذا؟ لأن هذا مثل سند كتبته أنت على نفسك ووقعته بألف دينار، لا يجوز أن يباع هذا السند بأكثر أو بأقل .. ألف دينار مثلاً بمثل يداً بيد، هكذا كان الأمر سابقاً، حينما كان لهذه العملة الورقية كما قلنا رصيد من الذهب، فكان يومئذٍ أيضاً المتاجرة بالعملة لا تجوز؛ لسبب عدم تَحَقُّق المماثلة من جهة، وأحياناً عدم تحقق الشرط الثاني وهو نقداً يداً بيد .. الآن ذهبت القيمة الذهبية ماذا بقي؟ ورق لا قيمة له، ولذلك وجدنا بسبب ظروف اقتصادية أو حربية أو ما شابه ذلك، الدينار الذي كان له أقوى قوة مالية هبط مرة واحدة، ثم تارة يرتفع وتارة ينخفض، فهذا هو القمار حيث لا يدري الإنسان أيربح أم يخسر، وهذه وقائع وقعت مع كثير من الناس، ما بين عشية وضحاها صاروا أصحاب ملايين، وآخرون أصبحوا يعضون أكفهم ندماً على ما فعلوا؛ لأنهم خسروا خسائر طائلة.
لذلك لهذا السبب آنياً، ولذاك السبب قديماً: لا يجوز المتاجرة بالعملات الورقية، ومعنى ذلك أن الصرف لهذه العملات لا يجوز، إلا في حدود الضرورة التي لا بد للمسلم منها .. أعني أنت رجل مثلاً على وشك الذهاب إلى العمرة أو إلى الحج إلى بيت الله الحرام، وهناك لا بد أن يكون معك عملة البلد، أي العملة السعودية فأنت مضطر أن تصرف إما هنا أو هناك لكي يتيسر لك شراء حوائجك الضرورية أو الكمالية، هذا لا بد منه؛ لأن الضرورات تبيح المحضورات، ولكن هذه القاعدة لا يجوز فهمها مطلقة .. الضرورات تبيح المحضورات، لا بد من قيدها الذي وضعه العلماء ألا وهو قولهم:«الضرورة تُقَدَّر بقدرها» فأنت بحاجة مثلاً إلى أن تصرف خمسمائة دينار؛ لكي تنتفع بهذا الصرف فيما إذا ما ذهبت للحج أو للعمرة، ما يجوز لك أن تشتري ألف جنيه بألف دينار .. ! لا، ثم هناك تشتري دنانير