استغلال لحاجة القاصر العاجز الذي لا يستطيع أن يدفع الثمن نقداً، وفيه تعويد التجار على الجشع المادي، والإعراض عن الأجر الأخروي.
وهذا فرق كبير جداً بين هذا التفسير وذاك التفسير، وأنا أذكر أن من الحكم المروية عن بعض الكتب الإلهية، وليس يهمنا هنا السند بطبيعة الأمر؛ لأننا نتكلم عن الحكم.
قالوا بأن عيسى عليه الصلاة والسلام وعظ ذات يومًا الحواريين، وذكر لهم بأنه سيأتي من بعده أنبياء كذا، ويأتي من بعده رسول اسمه أحمد، وهو آخر من يبعث من الرسل، قالوا له: فكيف نعرف الصادق من الكاذب؟ أجاب بقوله -وهنا الحكمة-: من ثمارهم تعرفونهم.
فنحن نعرف تمييز قول على آخر من حيث النتيجة والعاقبة، فإذا قيل بجواز بيع التقسيط، وأخذ الزيادة مقابل هذا الصبر في الوفاء، فيه ما أشرنا إليه من تطبيع التجار على الجشع والطمع، وعلى استغلال حاجة الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا ثمن الحاجة إلا بثمن.
وفيه أيضاً كما ذكرنا سابقاً: أن التاجر وهو عادةً لا ينصرف إلى عبادة الله وذكره، كما هو شأن غير التجار المتفرغين لذكر وعبادة الله.
فالله عز وجل قد أوجد لهؤلاء التجار هذه الفرصة، بأن يكسبوا أجوراً كما يقولون في بعض البلاد السورية، كالمنشار على الطالع والنازل، وهو لا يقعد أن يذكر الله ويصلي على نبيه، ويتلو القرآن؛ لأنه غير متفرغ، وإنما متفرغ للبيع والشراء، لا بأس من ذلك؛ لأنه مباح.
لكن قد أُفسح له المجال أن يكتسب من الحسنات ما لا يستطيعه أولئك المتفرغون للعبادة من الفقراء والمساكين، وذلك بأن يصبر في الوفاء على الشارين من عنده البضاعة، فيكتب له مقابل كل درهمين صدقة درهم، وعلى ذلك فقس.