ولهذا لعلكم قرأتم في بعض التواريخ أنه حصل في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، ما كاد يتحقق في زمنه نبوءة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يأتي زمان يخرج الغنيّ بزكاته فلا يجد من يأخذه، لأن المسلمين صاروا كلهم أغنياء.
إذاً: هذا مثال للسبب الذي يؤخذ به ويُحقّق مصلحة إسلامية، لكن الذي دفع إلى هذا إلى الأخذ بهذا السبب في الوقت الذي يحقق مصلحة إسلامية وهي غنى الدولة، هو سبب تقصير المسلمين في تطبيق شريعة رب العالمين.
أما السبب عن النوع الثالث.
مداخلة: النوع الثاني من البدع.
الشيخ: من البدع أيضاً غير مشروع؛ لأنه مخالفة للسنة، أما السبب الثالث الذي وُجِد المقتضي وليسوا مسؤولين عنه.
أي: لم يكن السبب هو تقصيرهم في تطبيق جوانب من دينهم، فهو الذي يبحثه «الإمام الشاطبي رحمه الله» في كتابه العظيم «الاعتصام» لأنه يتحدث هناك بتفصيل عن المصلحة المرسلة، فيذكر أن من المصالح المرسلة أن الكفار إذا هاجموا ديار المسلمين، ولم يكن في خزينة الدولة من المال المجموع بالطرق المشروعة ما يكفي لرد اعتداء هؤلاء الكفار، فحينئذٍ يجوز للحاكم المسلم أن يفرض فريضةً على أغنياء المسلمين وليس على فقرائهم، وهذه أيضاً فارقة عظيمة بين الضريبة التي يفرضها الحاكم المسلم، حينما يوجد السبب الشرعي لفرضها وبين المكوس التي تُفْرَض اليوم، فهي لا تميز بين غني وفقير.
ففي هذه الحالة، حالة غزو الكفار لبعض البلاد الإسلامية، يجب على الحاكم أن يجمع من أموال أغنياء المسلمين ما به يتقوى على رد اعتداء المعتدي، هذا ما يتعلق بالجواب عن المكوس.