للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذاً: فيما يتعلق مثلاً بالجمارك والضرائب التي تضرب، إذا كان هناك نظام عام مفروض على كل الناس الذين يدخلون ببضاعة ما، أن يُفْرض على هؤلاء الناس ضريبة عامة من قِبَل الدولة، فهنا لا يجوز أن يدفع المسلم لأحد الموظفين من أجل أن يخالف النظام الذي تبنته الدولة؛ لكي هو يرتاح من هذه الضريبة، لأن هنا سيترتب منها أمران اثنان: الأمر الأول: ما أشرت إليه آنفاً، أنه يا أخي أنت ما أدراك أن هذه الضريبة ظلم، يمكن يكون عدل، فما يجوز أن نفتح الباب لكل فرد من أفراد المسلمين، أن يتحكموا بالقوانين حسب آرائهم إن لم نقل حسب أهوائهم.

الشيء الثاني: أنك بدفعك الرشوة لهذا الموظف عَوَّدته على أن يخون وظيفته، ثم الوظيفة هذه تارة لا يكون فيها ظلم إجماعاً.

أنا أضرب لكم مثلاً سهلاً سمحاً، مثلاً: رجل يُريد أن يُقَدِّم طلباً في أمر ما، ووجد أمامه عشرات الأشخاص، فهو يرشي الموظف ليُقَدِّمه على الآخرين، هذه رشوة مفروع من أنها محرمة، وأن تَجَاوُزَه هو نظام الترتيب الذي يأمر به الإسلام يعني كما يقال في حديث معناه صحيح ومبناه غير صحيح: «من سبق إلى مباح فهو له» فأنت تُصَوّر أنك كنت الأول لتُقَدّم طلبك، فجاء العاشر وبطريقة ملتوية مخالفة لنظام الشرع صار هو الأول، أيرضيك ذلك؟ طبعاً، لا، والرسول عليه السلام يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فإعطاء هذا المسلم الرشوة لذاك الموظف لكي يقدم معاملته على معاملة السابقين له، هذه رشوة محرمة بلا شك، لا يجوز للراشي أن يُقَدّمها للمرتشي، كما أنه لا يجوز للمرتشي أن يأخذها.

ففتح باب الرشوة بمخالفة القانون القائم، والماشي على الناس جميعاً فيه مفسدة أخرى وهي تعويد الموظفين على قبض الرشوة، وهنا نقع في مخالفة قوله تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] على هذا النظام يمكن أن تأخذ جواب سؤالك السابق.

(الهدى والنور/٤٧٢/ ٢٢: ٥٢: ٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>