لكن هناك ما يُطْمِعُهُ في هذا العرض السخي، فأصبح عنده مناقشة بين عقله وبين نفسه الأَمّارة بالسوء، ثم تغلب العقل الديني على النفس الأمارة، قال: لا بد أن أسأل أهل العلم.
فذهب إلى مفتي الديار السورية، وعرض عليه القصة ويريد الجواب منه: يجوز أم لا يجوز، قال له: اكتب سؤالك، فكتب السؤال وقَدَّمه إلى حضرة المفتي، وهذا المفتي مفتي سوريا ليس مفتي ناحية أو قضاء، مفتي سوريا كلها، قال له: بعد أسبوع تعال لتأخذ الجواب، ما شاء الله! معركة تحتاج إلى استعداد أسبوع من الزمن وليتها نجحت.
جاء بعد أسبوع قال له: لم يجهز الجواب، هكذا ثلاثة مشاوير، كل مشوار أسبوع يتحمل، الأسبوع الثالث طرق الباب ما أحد رد عليه، تَجَرّأ وفتح الباب، وإذ وجد المفتي الأكبر جالس على طاولة ومستغرق في النوم، السلام عليكم، وعليكم السلام: وجدنا لك الجواب يُبَشره يعني: بعد ثلاثة أسابيع وجد الجواب، أعطاه الجواب، جزاكم الله خيرًا.
خرج من الديوان تبع المفتي إلى الصحن، وقف يقرأ لم يفهم أنه حلال أم حرام، ادِّخار لحم هذا الخنزير حرام أم حلال لم يفهم، يقرأ من أول يرجع من الأول إلى الأخير .. من الأخير إلى الأول دون فائدة.
عنده موظف سائق سيارة هو من إخواننا السلفيين في دمشق اسمه: صلاح الجزائري، قال له: يا صلاح انظر لي هذه الفتوى، أنا لم أفهم أو هي لا تُفْهم، أخذ صاحبنا صلاح يقرأ ما يفهم حلال أم حرام احتاروا .. صاحبنا قال له: تعال سآخذك عند رجل ليس مفتي هو ساعاتي، لكن هو سيُفَهّمك الموضوع، والله أنا في الدكان كالعادة: السلام عليكم، وعليكم السلام، حكى لنا القصة وهذه الفتوى ونحن لم نفهم حلال أم حرام، قرأتها أنا قلت لهم: الحق معكم؛ لأنه شيخ ليس فاهم حرام أم حلال، وفاقد الشيء لا يعطيه.