والنصوص متضافرة عن أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يحتجبن حتى في وجوههن وإليك بعض الأحاديث والآثار التي تؤيد ما نقول:
١ - عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة! أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق -هو العظم إذا أخذ منه معظم اللحم- فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر: كذا وكذا قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال: «إنه أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتكن».
أخرجه البخاري «٨/ ٤٣٠ - ٤٣١»، ومسلم «٧/ ٦ - ٧»، وابن سعد «٨/ ١٢٥ - ١٢٦»، وابن جرير «٢٢/ ٢٥»، والبيهقي «٧/ ٨٨»، وأحمد «٦/ ٥٦».
قوله:«ضرب الحجاب»: تعني حجاب أشخاص نسائه - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، وهذه الآية مما وافق تنزيلها قول عمر -رضي الله عنه- كما روى البخاري «٨/ ٤٢٨» وغيره عن أنس قال: قال عمر -رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب.
وفي الحديث دلالة على أن عمر -رضي الله عنه- إنما عرف سودة من جسمها، فدل على أنها كانت مستورة الوجه، وقد ذكرت عائشة أنها كانت -رضي الله عنها- تعرف بجسامتها، فلذلك رغب عمر -رضي الله عنه- أن لا تعرف من شخصها، وذلك بأن لا تخرج من بيتها، ولكن الشارع الحكيم لم يوافقه هذه المرة لما في ذلك من الحرج.