للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن النساء على عهده كن يلبسن ثيابًا طويلات الذيل، بحيث ينجرُّ خلف المرأة إذا خرجت، والرجل مأمور بأن يشمر ذيله حتى لا يبلغ الكعبين، ولهذا لما نهى - صلى الله عليه وسلم - الرجال عن إسبال الإزار وقيل له: فالنساء؟ قال: «يرخين شبرًا»، قيل له: إذن تنكشف سوقهن قال: «ذراعا لا يزدن عليه»، قال الترمذي: «حديث صحيح» حتى إنه لأجل ذلك روي أنه رخص للمرأة إذا جرت ذيلها على مكان قذر ثم مرت به على مكان طيب أنه يطهر بذلك (١)،

وذلك قول طائفة من أهل العلم في مذهب أحمد وغيره جعلا المجرور بمنزلة النعل الذي يكثر ملاقاته النجاسة، فيطهر بالجامد كما يطهر السبيلان بالجامد؛ لما تكرر ملاقاتهما النجاسة، ثم إن هذا ليس معينًا للستر، فلو لبست المرأة سراويل أو خفًّا واسعًا صلبًا كالمعرق وتدلي فوقه الجلباب بحيث لا يظهر حجم القدم؛ لكان محصلًا للمقصود بخلاف الخف اللين الذي يبدي حجم القدم، فإن هذا من لباس الرجال، وكذلك المرأة لو لبست جبة وفروة لحاجتها إلى ذلك لدفع البرد لم تنه عن ذلك، فلو قال قائل: لم يكن النساء يلبسن الفراء؟ قلنا: فإن ذلك يتعلق بالحاجة، فالبلاد الباردة تحتاج إلى غلظ الكسوة وكونها مدفئة وإن لم يحتج إلى ذلك في البلاد الحارة.

فالفارقة بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء وهو ما ناسب ما يؤمر به الرجال وما يؤمر به النساء، فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور؛ ولهذا لم يشرع لها رفع الصوت في الأذان والتلبية ولا الصعود «كذا ولعله: في الصعود» إلى الصفا والمروة ولا التجرد في الإحرام كما يتجرد الرجل فإن الرجل مأمور أن يكشف رأسه وأن لا يلبس الثياب المعتادة وهي التي تصنع على قدر أعضائه، فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخف، لكن لما كان محتاجًا إلى ما يستر العورة ويمشي فيه، رخص له في آخر الأمر إذا لم يجد إزارًا أن يلبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين أن يلبس خفين، وجعل ذلك بدلًا للحاجة العامة، بخلاف ما يحتاج إليه حاجة خاصة لمرض أو برد، فإن عليه الفدية إذا لبسه ولهذا طرد أبو حنيفة هذا القياس، وخالفه الأكثرون للحديث


(١) قلت: الحديث صحيح؛ لأن له شاهدًا ذكرته فيما سبق "ص ٨١"، فتصديره بلفظ: "روي" المشعر اصطلاحًا بضعفه، ليس كما ينبغي. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>